زكية إبراهيم الحجي
لماذا أصبحت النصيحة منفرة وغير مرغوب فيها، بل مرفوضة من قبل الأغلبية.. لماذا أصبحت مكروهة حتى لو أُسديت من قبل الأهل.. لماذا أصبحت تثير حساسية مُتلقي النصيحة ويعتبرها تدخلاً في أمور حياته الشخصية؟
أسئلة متعددة ومتكررة وغالباً ما تطرح على بساط النقاش في الاجتماعات الأسرية أو اجتماعات كبار السن مع بعضهم البعض أو حتى فيما بين الأصدقاء.. ترى ما السبب وأين يكمن الخلل النصيحة لب الدين وجوهر الإيمان.. والمرء وكما قيل قليلٌ بنفسه كثير بإخوانه خاصة أولئك العقلاء وأولي الألباب فهم خير كنز لكل نصيحة صادقة مخلصة.. إلا أن اللافت أن اسداء أي نصيحة صادقة مخلصة في هذا الزمن قد تنطوي عليها مجازفة كبيرة فربما تضع الشخص الناصح على المحك في علاقته مع الآخرين وبالتالي ليس من السهل تقبل النصيحة رغم أهمية التناصح وتبادل الخبرة والتذكير بالأولويات يروي أحدهم تجربته الشخصية قائلاً: كنت دائماً أنظر إلى مدى سداد الرأي والنصيحة بصرف النظر عمن يقدمها إلا أني لا أقبلها إلا إذا كنت على اقتناع تام بها حتى ولو كانت من والدي أو أقرب الناس إلي ممن هم أكبر سناً.. بالمقابل روى شاب آخر في مقتبل العمر تجربته قائلاً: كيف أعطي تفويضاً للآخرين كي ينبشوا سيرتي وكأني به يقول (أنا أدرى بنفسي من غيري) فما الذي يدفع أمثال هذين الشابين وهم أغلبية في المجتمع لرفض نصائح الآخرين..
سؤال دفع فضولي لأن أبحث عن إجابته فوجدت ضالتي في بطون بعض كتب علم النفس من ذلك ما ذكره عالم النفس «روبرت ناش» في أحد كتبه حيث يقول: «إن أدمغتنا تلجأ لأساليب عديدة بارعة لتفادي سماع ملاحظات الآخرين لكنّ هناك كثيراً من الطرق لتفادي الانسياق وراء الحيل الدفاعية التي تحجب عنا مزايا تلك الملاحظات.. ولكي يتمكن المرء من تجاهل الملاحظات المسببة لقلقه نجده يستخدم أسلوب الخداع أو العناد أو التعالي كوسيلة لرفض النصيحة..اهـ.
من خلال ما ذكره عالم النفس «روبرت ناش» يتضح أن رفض تقبل النصيحة من قبل الأغلبية وخاصة فئة الشباب تكمن في أنهم يتعاملون مع النقد والنصائح المقدمة لهم على أنها شيء غير مرغوب فيه أساساً مهما كان نوع النصيحة أو الأسلوب المتبع عند تقديمها الحقيقة ليس من السهل على كل إنسان أن يتقبل النصح.. فرغم وجود أولئك الذين يحيدون في أدب النصيحة عن المسؤولية والخصوصية فينفرون الآخر منها وقد يسببون له أذى نفسياً بدلاً من مساعدته.. إلا أن هناك من يجد في نفسه شيئاً حتى تجاه أولئك الناصحين بصدق وأدب ومسؤولية فينفرون من أي نصح يوجه إليهم لشعورهم بأن النصيحة دليل على نقص أو اهتزاز في شخصيتهم.. وإن لم يكن ذلك فربما نوع من كبرياء النفس والتعالي على الآخرين.. رغم ثقل عبء التناصح بين الناس إلا أنه من ضروريات سلامة الحياة الإنسانية فالدين النصيحة.