د.خالد بن صالح المنيف
إنَّ التصالح مع النفس سمة لكلِّ الناجحين وصفة المتميزين، حيث يتعاملونَ مع أنفسهم بمساحاتٍ معقولة من التسامح والتغافل، وأيضًا من التأديب الجاد الذي يصلح ولا يفسد، فذلك الشخصُ التعيسُ اليائسُ الذي يتقمَّص دورَ الضحية، بل يطرب له هو شخصٌ متخاصمٌ مع نفسِه أولًا، وعلى الجهة الأخرى ذلك العنيدُ المغرورُ مُتصلِّب الرأي يعيش حالةً متقدِّمة من كره الذاتِ انعكسَت على تصرُّفاته, وحتى تتغير أوضاعُه وتتحسَّن علاقاتُه وتطيب نفسيتُه ويتقدَّم للأمام لا بدَّ أنْ يعيدَ النَّظر في طبيعة علاقته مع ذاته ويتصالح معها، وسبيلُكَ لعلاقة ملؤها حبٌّ وتصالحٌ مع الذات يحتاج لتحرُّك منكَ.
ودونك تلك الوصفاتِ التي ستعينُكَ على صُنع علاقة أطيبَ مع ذاتكَ، ومعها ستكونُ أكثرَ فعالية وأعظم إنتاجية وستنعم معها براحة بال وسعادة لا توصف، وستملكُ كذلك شخصية جذابة محبوبة لها قدرةٌ على اختراق قلوب الناس وكسْب ودِّهم:
1. القبول والرِّضا بما منحكَ ربكَ؛ فلا ترفض شكلكَ أو جنسيتكَ أو أسرتكَ أو لونَ بشرتكَ، وهي خطوةٌ في غاية الأهمية لعلاقة أفضل مع ذاتكَ؛ فلا يُتوقَّع من شخص كاره لشكلِه أو طولِه أنْ يكونَ متماسكًا من الداخل.
2. حرّر نفسَكَ من أسْر الماضي ومِن قيْد الأحداث الماضية؛ فأغلبُ مَن يمارسونَ جلدَ الذاتِ هم أسرى لمشهد قديم. دائمًا انظُر للأمام واقطَع أيَّ تفكير في الماضي؛ حتى يصلحَ يومُكَ وغدُكَ.
3. لا تقارن نفسَك بالآخرين؛ فالمقارنةُ مستنقعٌ آسِن وشرَك مُميت وسمٌّ زعاف، يعطِّل قدراتكَ ويجعلكَ فريسةً لذئاب الحسرة، خُذ ما أتاك اللهُ وكن من الشاكرينَ، وتأكد أنَّ ما قد وهبكَ الله إياه أكثرُ بكثير مما فقدتَ، وأنك تفوقُ الكثيرَ ممن تتوهَّم تفوُّقَهم عليكَ.
4. اختلِ بنفسك بين حين وآخر، وأعطِها قدرَها من الاستمتاع، اجعل لك وقتًا لا تعمل فيه شيئًا أو سمّها إنْ شئتَ (ساعة اللا شيء)، فكّر.. العَب.. اركُض.. اضحَك.. افعَل ما شئتَ دونَ أيِّ ضغوطاتٍ، أعطِ نفسَك وقتًا خاصًّا لها، ومعها ستكونُ في أفضل حالاتِكَ النفسية والجسدية.
5. استبدِل النقد الجارح لنفسكَ بكلماتٍ ألطف وأرق وأكثر حنانًا، تعامَل مع نفسكَ معاملة الأمِّ الحنون لصغيرها؛ وعندها ستجد تغيرًا كبيرًا في ثقتكَ وصحتكَ النفسية.
6. لا تفرِض قوانينَكَ على الآخرين؛ فأنت لستَ العالَمَ! وما تراه صحيحًا ربما هو غير هذا، استوعِب العالَم وما فيه بكلِّ اختلافاته، بل وتناقضاته.
7. اعتنِ بمواهبِكَ وركَز على ما تُتقِن؛ فمِن أعظمِ الأمور المساعِدة على عقْد سلام دائم مع الذاتِ أنْ تكونَ شخصًا منتِجًا وصاحبَ نجاحاتٍ، يومُكَ يمضي بين هدف تسعى له وإنجاز تحتفلُ به.
8. عندما يزعجك أحدُهم تصرَّف حسب أخلاقِكَ لا بحسب أخلاقه، لا تردّ بسرعة وتصرَّف بحكمة، تنفَّس بعُمق، ثم حدّد أيّ القيم ستتصرف وفقًا لها، ثم امضِ في طريقك مُحاطًا برعاية الله.
9. تجرَّأ على تغيير بيئتكَ حينًا، والانفتاح على بيئاتٍ جديدة، سافِرْ إلى دول لم تزُرْها من قبل، تواصَل مع أهلها وانبسط لهم، يقول (أوغستين): «العالَم كتابٌ، والذين لا يسافرونَ قرأوا منه الصفحة الأولى فقط!».
10. لا تتقمّص دورَ الواعظ والأستاذ، فلا يسمع منك صاحبُكَ إلا ملاحظاتٍ وإرشادًا وتوجيهًا، وإنْ وجدتَ ما يستحقُّ فمرِّر الملاحظاتِ دونَ إلحاح.
11. افحَص (نماذجكَ) العقلية و(أنماطكَ) الفكرية و(رؤاكَ) الداخلية حول سلوكياتكَ ومعتقداتكَ، ولا تكن أسيرًا لمعتقد «أنَّ العالَم الذي تعيشه هو العالَمُ الموجودُ فعلًا».
12. تجنَّب الشَّكوى والنُّواح؛ فلا أحد يسعُه أنْ يصمد إلى أجل غير مسمى لما تحكيه من أخبار آلامكَ وويلاتكَ، دعْ شكواكَ لربِّكَ، واستمتِع بأوقاتكَ مع الآخرين.
13. احذَر الاندفاعَ الشديد نحو حيازة الأشياء، والجنوح المبالغ فيه نحو المادياتِ، والملاحقة اللاهثة نحو الأخذ والنَّوال من الآخرين؛ كلُّ تلك الأشياء لن تثمرَ أبدًا عن إشباع الرُّوح بالرِّضا والطمأنينة.
14. تحرَّر من أيِّ علاقة تحاصركَ؛ فيستقيم أنْ تحب وتحترم الآخرين، وفي الوقت نفسه تكونُ مستعدًّا لتقبُّل الحال لو أُجبِرتَ على الاستغناء عنهم تحت أيِّ ظرف!
15. تحدَّث مع نفسك بإيجابية؛ فإنَّ أعظم ما يؤثر عليك سلبًا وإيجابًا ذلك الصوتُ الداخليُّ والذي جلُّ حديثه تذكيرٌ بالسقطاتِ وتضخيمٌ للصَّغائر وتهويلٌ من المستقبل وتخويفٌ من الإقدام، فكن له بالمرصاد وأوقفْه.
ومضة قلم
«ليس العاطلُ مَن لا يؤدي عملًا فقط، العاطلُ من يؤدي عملًا في وسعه أن يؤدي أفضلَ منه»