محمد آل الشيخ
يقول أمير قطر في مؤتمر ميونخ للأمن الدولي: إن أزمة مقاطعة قطر من قبل الدول الأربع أثرت بشكل خطير على الأمن الإقليمي الخليجي. وهذه كذبة كبيرة تفتقر إلى الأدلة التي تدعمها، فلا قطر، ولا حجم قطر، ولا قيمتها الجيوسياسية، يمكن أن تؤثر تأثيراً سلبياً على الأمن الإقليمي، فقطر دويلة متناهية الصغر، ليس لديها من الإمكانات إلا الغاز، وتفتقر إلى القدرة على حماية نفسها، فاستقدمت قوات تركية للتتولى حماية القصور الأميرية من تذمر القطريين فيما لو حصل تحرك شعبي غاضب بسبب العزلة التي أدخلهم فيها قادتهم، ما يثير السؤال: هل هناك دولة تستقدم قوات أجنبية لحماية أمرائها، وتستبعد الجنود الوطنيين يمكن أن تؤثر في الأمن الإقليمي العربي، أو الخليجي؟.. كل ما هنالك أن الأمير الأب مهووس حتى المرض بالتآمر على الدول العربية، وبالذات دول الجوار، وتبني الجماعات الإرهابية المتطرفة، وتمويلها بالأموال دونما حساب للنيل من دول الجوار، فاضطرت هذه الدول الأربع إلى حماية أمنها واستقرارها باتخاذ موقف المقاطعة الحازم، ما أدخل قطر، وأهل قطر، والدبلوماسية القطرية، في نفق مظلم، يزداد ضيقاً وظلاماً مع كل يوم جديد. كلما أريد أن أقوله هنا إن قطر منفردة هي المتضررة بشكل رئيس من المقاطعة، وليس ثمة ضرر خطير – كما يزعم أميرها – لَحِق، أو أنه سيلحق، بالمنطقة، أو الأمن الإقليمي، جراء مقاطعة قطر، وإذا كان مُنظّر السياسة القطرية «عزمي بشارة» قال له غير ذلك فإنه بمنتهى البساطة كذّاب أشر، وأتحداه أن يسوق لنا ضرراً لحق بإحدى الدول الأربع جراء المقاطعة.
ونحن نعرف، والجميع يعرف، أن تميم أمير صوري لا يملك من السلطات ما يملكه أي موظف صغير في الديوان الأميري، فالذي مازال يحكم قطر والده، ومعه ابن عمه حمد بن جاسم، وهذان الرجلان هُزما هزيمة شنيعة بفشل الربيع العربي الذي خططا له، والهزائم منذ عرف الإنسان الصراعات العسكرية والسياسية، لا بد وأن يدفع المهزوم الثمن، ويذعن لشروط المنتصر. مشكلة (الحمدين) أنهما يكابران، وما زالا يصران على إحياء ربيعهم الدموي الذي كلفهم على جميع المستويات ثمناً باهظاً.
الأمر الآخر أن قطر تعرف منذ البدء أنها مجرد ثروة كبيرة دونما حيز جغرافي ولا عدد شعبها يتناسب مع هذه الثروة، فتبنت جماعة الإخوان المسلمين ذات الانتشار الشعبوي الواسع، معتقدين أن كوادر هذه الجماعة ستكون أول من يناصرها أينما وجدوا، غير أن جماعة الإخوان هذه هزمت أيضاً بهزيمة الربيع الدموي الذي تسميه الربيع العربي، فانفض كثيرون من مناصريها والمتعاطفين معها عنها، وبالتالي عن قطر، الأمر الذي زاد عزلتها عزلة، وجعلها كالعطشان في صحراء قاحلة، يطارد السراب ظناً منه بأنه ماء.
ربما أن قطر كانت قيمتها الوحيدة هي قناة الجزيرة، التي كانت في زمن ولى وانتهى تسيطر منفردة على المشاهد العربي، أما الآن فقد اضمحل تأثيرها الإعلامي بسبب دخول السوشل ميديا بقوة إلى الإعلام المؤثر، إضافة إلى دخول فضائيات جديدة وبقوة إلى الساحة العربية الإعلامية؛ وغني عن القول إن قيمة القطريين في هذا الصراع الإعلامي الجديد في منتهى المحدودية، فالراصد الإعلامي اليوم لا يكاد يسمع قطر في مجريات القضايا الإقليمية إلا لُماماً، وبشكل هامشي لا قيمة له.
قطر لن تخرج عن عزلتها، وتعيد شعبها إلى ما كانوا عليه قبل المقاطعة، إلا بالاعتراف بالأمر الواقع أولاً؛ وهذا الاعتراف هو أمر مؤلم لكنه بمثابة الكي الذي هو آخر العلاج.
إلى اللقاء