الرياض - خاص بـ«الجزيرة»::
أكدت دراسة علمية أن ضعف الوعي وخاصة بالوازع الديني والأخلاقي لدى البعض يمثل عقبة رئيسية في سبيل النهوض بالعمل الإداري والإخلاص في أداء الواجب، فالتربية الدينية والأخلاقية التي تفتح وتنهض بالنفوس المؤمنة بربها وأمتها لتتمثل بالإخلاص والعمل الايجابي وتحرص على تجنب المخالفات، وأن يكون لهذه الناحية نصيبها من الإعداد والتدريب والتوعية الدينية والأخلاقية والوطنية للموظفين. وأوصت الدراسة بضرورة إنشاء إدارات قانونية في كل الوزارات ويلحق بها مستشارون قانونيون يتولون أمر التحقيق مع الموظف المتهم حتى يضمن سلامة إجراءات التحقيق.
وأظهرت نتائج الدراسة الحديثة المعنونة بـ «الإجراءات القانونية لمكافحة الفساد الإداري في المملكة العربية السعودية» للباحث عبدالله بن محمد بن سليمان المشيقح، والتي حصل فيها على درجة الماجستير من كليات الشرق العربي «قسم القانون العام» أظهرت أن الفساد الإداري كسلوك منحرف تقع وراءه الكثير من الأسباب منها ما يرتبط بالعوامل الشخصية ومنها ما يرتبط بالعوامل المؤسسية والتنظيمية، وأسباب أخرى تتعلق بعوامل البيئة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والقانونية، وأن الفساد في الاصطلاح الشرعي (هو كل المعاصي والمخالفات لأحكام الشريعة الإسلامية ومقاصدها والعمل بها)، وأن أنواع الانحرافات في الفساد الإداري تقسم إلى ثلاث مجموعات وهي: الانحرافات التنظيمية، والانحرافات الجنائية، والانحرافات السلوكية. وأوضحت الدراسة أن المملكة العربية السعودية عملت على مكافحة الفساد الإداري من خلال أربعة جهات، وهي: هيئة الرقابة والتحقيق، وهيئة مكافحة الفساد، والنيابة العامة، والمحاكم (ديوان المظالم, والمحكمة الجزائية)، وتعد الرقابة صمام أمان ضد الفساد الإداري، لذا ركز المنظم السعودي على وضع الأساليب والإجراءات التي تعمل على كشفها وذلك من خلال التحقيق كما وضع الأنظمة والقواعد التي توضح وتعمل على ضبط تلك الإجراءات، وفيما يتعلق بالتحقيق في إجراءات مكافحة الفساد وضع المنظم ضوابط لا بد من اتباعها حتى يعتد بالتحقيق، منها التدوين وكتابة التحقيق، كما حدد أدلة الإثبات التي يعتمد عليها المحقق من الشهود والخبرة والمعاينة وأوضح إجراءاتها، وفيما يتعلق بالجهات الإدارية التي تقوم بالتحقيق لم يحدد المنظم ويشترط شروط في المحقق من حيث الكفاءة وتدريبه على التحقيق وكيفية إجراءاته.
وشددت الدراسة على أن التحقيق من أهم وأدق الموضوعات القانونية الإجرائية التي تتسم بالعمق والتأصيل الجيد في أكثر التفاصيل وإثارة للجدل ولما يثيره هذا الإجراء من مشكلات مهمة ودقيقة على المستوى النظري والعملي، كما أن الاستجواب أهم إجراء من إجراءات التحقيق في الدعوى الجزائية ويقوم بالعبء الأكبر فيها لأنه يكون الأداء الأكثر فعالية لاستخراج الحقيقة من كل جانب قد توجد فيه، وذلك عن طريق بحث جميع وسائل الواقعة، مؤكدة على أن الاستجواب إجراء خطير من إجراءات التحقيق يجب أن تتوفر له جميع الضمانات المتعلقة بذلك, ولهذا فقد حرصت معظم القوانين الجزائية بما فيها المنظم السعودي على أن تنهض بأمانة التحقيق حيث خصص لها سلطة خاصة وهي هيئة الرقابة والتحقيق والنيابة العامة وهيئة مكافحة الفساد وروعي في اختيار أفرادها شروط، منها الحيدة والكفاءة والنزاهة والاستقلالية وهذا هو الأصل. وكشفت نتائج الدراسة أن المنظم السعودي لم يبين كيفية رفع الاستئناف الفرعي وعلاقته بالاستئناف الأصلي من ناحية السقوط والآثار، كما أن المنظم السعودي جعل تنفيذ الحكم في حالة الاعتراض أو الطعن أمر جوازي للمحكمة العليا. مع أن وقف التنفيذ في معظم القوانين يوقف في حالة تقديم طلب الاعتراض، موصية أن يتولى البحث في حالة التحقيق من قبل الجهات الإدارية موظف بشرط أن يحمل نفس المؤهل الذي يحمله عضو النيابة العامة، بالإضافة بأن يكون مشهودًا له بالأعمال الجيدة والأخلاق الحسنة. ورأى الباحث تعديل المادة (49) من نظام المرافعات أمام ديوان المظالم التي جعلت وقف تنفيذ الحكم عند تقديم الاعتراض سلطة جوازيه للمحكمة العليا، لذلك أرى التعديل أن تكون السلطة وجوبية وليست جوازية، مع وضع شرح مفصل للاستئناف الفرعي وكيفية تقديمه وعلاقته بالاستئناف الأصلي من حيث الآثار التي تترتب عليه.
وطالبت الدراسة بضرورة توفير الحماية اللازمة للموظف المتهم وذلك من خلال تشديد الرقابة القضائية على المحقق الذي يقوم بإجراءات التحقيق بحيث تكون معاملته في هذه المرحلة معاملة البريء تمامًا، مع حظر القبض التعسفي على المتهم في الجرائم الجزائية أثناء ساعات متأخرة من الليل لما فيه من إرهاب له ولأسرته ولأن الليل جعله الله سبحانه وتعالى سكينة للإنسان.
وأهابت بالمنظم السعودي على النص في نظامه الإجرائي أن يضع قواعد تنظيمية يتقرر فيها حقوق وضمانات الموظف المتهم، وأن الجمع بين السلطتين للنيابة وهي التحقيق وتمثيل الاتهام تجعل النيابة خصمًا ومحققًا في آن واحد وما كان الخصم عادلاً، فنفسية عضو النيابة في ذلك الوقت هي نفسية الخصم يتأثر به الأخير وعلى هذا وحتى تبث الطمأنينة في الأفراد ونبعد عن قلوبهم كل خوف من انحراف التحقيقات يتعين أن يعقد بالتحقيق إلى قاضٍ مستقل وأن تقتصر مهمة النيابة على سلطة الاتهام فقط.
وأبانت الدراسة أن هدف التحقيق هو كشف الحقيقة، ويُرى أن ينص على وجوب أن يكون الهدف من التحقيق فيما يتعلق بإجراءات الإثبات وكذلك فيما يتعلق بإجراءات النفي بشكل متوازن وذلك تحقيقًا للقاعدة الشرعية أن الأصل براءة الذمة والأصل حسن النية وليس العكس، لكي يكون التحقيق مستهدفًا الكشف عن أدلة النفي والكشف عن أدلة الإثبات بشكل متوازن وعادل، ونظراً لما يترتب على تجاوز بعض نصوص النظام لسبب أو لآخر، كما في حالة من يتولى التحقيق وحالة من يقوم بعملية الكتابة، ونظرًا لأهمية وجود كاتب الضبط لكي يتولى الكتابة، من أجل أن يتفرغ المحقق للنواحي الفنية والنظامية ينبغي التأكيد على تفعيل ذلك بأن يكون هنالك كاتب ضبط بجانب المحقق في كل الأحوال ليتولى الكتابة لأهمية ذلك في سلامة وصحة التحقيق، ونظرًا لأهمية أن يعرف الموظف ما له من حقوق وضمانات وما عليه من التزامات وواجبات أوصى الباحث أن ينص النظام على ضرورة تفعيل ما نص عليه بأن يقوم المحقق بإخطار الموظف المتهم بحقوقه وضماناته التي كفلها له النظام قبل القيام بالتحقيق معه لكي يكون على بينة من أمره ويكون محفزًا له للدفاع عن نفسه من أجل تحقيق العدالة والوصول إلى الحقيقة بشكلها السليم.