علي الخزيم
سجلت وسائل التواصل الاجتماعي الإلكترونية الأيام الفائتة إشادات وإعجابات بالمواطن الذي حدد مهر ابنته بمصحف يشتريه العريس ويقدمه لها، وأكدت التعليقات استحسان الجميع لهذا الإجراء، والجرأة من ولي أمر الفتاة ورمزيتها للدعوة لتخفيف تكاليف الزواج للحد من العنوسة ولتشجيع الشباب للإقدام على أهم مطلب وحلم يخالج وجدانهم، وأرى أن الأمر جدير بالتأمل؛ ليس من حيث قيمة المهر، بل بالقدوة الطيبة التي أقدم عليها الرجل وبالتأكيد أن غيره كثير عرف خبرهم المحيطون بهم، فإذا كنا معجبين بنهجهم فلماذا لا نقتفي آثارهم بالطريق المنير السليم من كل أعباء القضايا الأسرية المبنية على سوء تقديرنا حين نبالغ بالمهور وتكاليف الأعراس ونستسلم لأعراف اجتماعية لا تناسب العصر الجديد؟!
وقد سبقهم النبي المصطفى فضرب لأمته المثل الأعلى بهذا الأمر وليبين لنا أن الصداق في الإسلام ليس مقصوداً لذاته، فحين لم يجد علي بن ابي طالب مهراً لفاطمة (سيدة نساء أهل الجنة) ذكَّره خير الرسل بدرعه (الخُطَمِيَّة) فكانت مهراً لزواجهما بأنصع صورة للتيسير يقدمها الهادي البشير، كما أن من المأثور من صور التيسير بالمهر والزواج قصة زواج الصحابي الجليل أبو طلحة زيد الأنصاري من أم سليم بنت ملحان وكان حينها لم يُسْلم فلم تطلب - رضي الله عنها - سوى إسلامه كمهر لها، حتى قال الرواة حينها: ما سمعنا بمهر أكرم من مهر أم سليم.
وإن كان المرء يستحضر الأعذار للموسرين ممن أكرمهم الله بالقدرة المالية وأقاموا أفراحا عامرة بالرفاهية دون إسراف يخرجها عن المعقول؛ فإنه لا يُعذر من يجاهد سنوات لجمع جزء من المهر ليتفاجأ بمزيد من المراسم المكلفة والطلبات الباهظة مما يعجزه عن إتمام عرسه إلا أن يُقدم على ديون تكون سبباً لتعاسته لسنين قادمة، إن لم تُفْضِ به إلى الطلاق، وهذا مما تؤكده التقارير العدلية المنشورة.
لكن رغم ذلك فقد تناقلت أخبار الأوائل قصصاً خيالية بطلب المهور، فمن ذلكم قصة الفارس العبسي عنترة حين طلب منه عمه مالك والد عبلة ليعجزه مائة ناقة حمراء من النوق العصافير التي لا توجد سوى بأرض النعمان بن المنذر وهي صعبة المنال، غير أن عنترة بصيته كفارس استطاع ملاطفة ملك الحيرة وجلب الإبل، وتتحدث الروايات عن زواج إسطوري للمأمون بن هارون الرشيد من بوران بنت الحسن بن سهل، فهو - إن صدقت الروايات - زواج مذهل، وليس ببعيد عنها العرس الفخم حينما تزوج الخليفة العباسي المعتضد من فائقة العقل والأدب والجمال (قَطْر الندى) أسماء بنت خمارويه بن طولون، وبحسب كتاب سِيَر أعلام النبلاء فإنه إسطوري باذخ، والله أعلم.
وليست العبرة بأبَّهة العرس ولكن بالوئام بعده، ألم نسمع بالمرأة التي أقسمت لتذبحن حماراً لو طلقها زوجها القاسي لكنه توفي قبل ذلك فسلم الحمار، وأقامت حفلاً كالعرس، والإفريقي الذي أصرَّ على طلب ثور نادر عند مزارع آخر خطب ابنته لولده كمهر لها، وعند الفجر حين فتح باب الحظيرة هرب الثور وأعجزه طلبه بالغابات.