محمد آل الشيخ
تقول الإحصائيات إن هناك أكثر من 700 ألف مواطنة سعودية متزوجة من غير سعودي، وأغلبهن رُزقن بأطفال، إلا أن نظام الجنسية السعودية يمنح الجنسية (فقط) لأبناء الرجل المتزوج من غير سعودية، أما أبناء المواطنات المتزوجات من غير السعوديين فإن النظام لا يعاملهم معاملة الرجل، ولا يمنحهم الجنسية، وإن كانوا يعيشون مع والدتهم في المملكة، ووُلدوا ونشؤوا وتلقوا تعليمهم فيها.
نظام الجنسية في المملكة نظام عتيق، أكل عليه الدهر وشرب؛ فقد صدر قبل قرابة ستة عقود، وخلال هذه المدة الطويلة التي تربو على نصف القرن طرأت على المجتمع السعودي تحولات نوعية كثيرة، وفي اتجاهات متعددة، أهمها أن المرأة بشكل خاص نالت كثيرًا من حقوقها الإنسانية، إلا أن حق أن يُمنح أبناء المواطنة المتزوجة من غير السعودي الجنسية السعودية ما زال مغيبًا حتى الآن، ولا أدري ما السبب، رغم أنه من أهم حقوقها الإنسانية، ولاسيما أن هذه الشريحة من مجتمعنا أصبحت ذات أعداد كبيرة، وأغلبهم متعلمون تعليمًا رفيعًا، ومعظمهم وُلدوا وعاشوا ونشؤوا في المملكة، وتشربوا ثقافتها، ويتحدثون بلهجاتها؛ الأمر الذي يجعل منحهم الجنسية حقًّا مشروعًا، يجب أن تراعيه أنظمة منح الجنسية السعودية، إلا أن شيئًا من ذلك لم يحدث حتى الآن.
وأنا ممن يؤمنون إيمانًا عميقًا بأن التنوع المجتمعي، ودخول دماء وثقافات جديدة، من شأنه إثراء المجتمع، وانفتاحه، وكسر تقوقعه، واجتثاث نزوعه نحو التعنصر الذي هو آفة المجتمعات. إضافة إلى أنها من أهم حقوق الإنسان المبدئية، التي تراعيها المجتمعات المعاصرة المتحضرة. كما أن دول العالم الجديد كالولايات المتحدة وكندا - مثلاً وليس حصرًا - هي مجتمعات متنوعة ومختلطة، جاء مواطنوها من كل أنحاء الدنيا، وانعكس هذا التنوع على مجتمعاتها بالشكل الذي مكَّنها من قيادة العالم المعاصر حضاريًّا وثقافيًّا؛ ما يجعل التنوع، والبُعد عن العنصرية للمكان، أو للأعراق التي نبتت في هذا المكان، هو من أسوأ تشوهات المجتمعات التي تسعى الدول المتحضرة للقضاء عليها. بمعنى أننا يجب أن نتعلم من تلك الثقافات ما نثري به بيئتنا المجتمعية، والنأي بها عن التعنصر غير المبرر في عالم حقوق الإنسان.
وهنا سأذهب بعيدًا، وأقول إننا في أمسّ الحاجة لنبذ العنصرية بشتى أنواعها، خاصة أننا نعيش الآن مرحلة جديدة، نراجع فيها كثيرًا من أخطائنا. ومن أهم مراجعاتنا أننا (نطبّع) بالفعل مع بقية العالم؛ لنصبح أمة تتعايش مع الآخرين، ومع ثقافات الآخرين.. وأصبح ذلك التشوه الذي يسمونه (خصوصية) ضربًا من ضروب الماضي، قذفنا به وراء ظهورنا، وانطلقنا لبناء دولة جديدة، وحديثة، وعادلة، بكل ما تحمله الكلمة من معنى، في هذا العهد السلماني الذي سيتحدث عنه التاريخ كثيرًا.
أرفع هذه القضية إلى مقام مليكنا المفدى، ولاسيما أنها من أهم القضايا الملحة التي تضرر منها وما زال يعاني منها كثيرون. وأنا على ثقة أنها ستلقى منه - حفظه الله ورعاه - كل الرعاية.
إلى اللقاء