د.عبد الرحمن الحبيب
من عبارة «الفوضى الخلاقة» لكونكليزا رايس انطلق «الربيع العربي».. ومن قرار أصدرته هيلاري كلنتون ظهر «داعش».. إلى اتهام حسن فيروزآبادي، مستشار خامنئي رئيس الأركان الإيراني السابق، جواسيس غربيين باستخدام زواحف صحراوية جلدها قادر على التقاط الموجات الذرية، للتجسس على البرنامج النووي وأماكن اليورانيوم بإيران.. تتفرخ نظريات المؤامرة.
وفيما هناك من يعتقد أن بن لادن والرئيس اليمني السابق أحياء، فإن صحفي بارز بالتلفزيون السوري الرسمي ادّعى أن عاصفة برد وقعت في ليلة ماضية كانت من إعداد جهاز إسرائيلي لمراقبة الطقس.. وحتى رئيس تركيا العضو بالناتو الذي تقوده أمريكا، اتهم أمريكا باستخدام تنظيم «داعش» و»حزب العمال الكردستاني» و»حركة جولن» لإضعاف تركيا ومهاجمتها.
قد تبدو هذه الأمثلة نادرة لكن كثيراً من الناس يؤمنون بنظريات المؤامرة بدءاً بتلك التي تسيطر على العالم بالخفاء كالماسونية، أو الصهيونية، أو أيّ منظمة كمنظمة التجارة العالمية أو قوة عظمى كأمريكا.. وتنتقل من السياسة إلى الصحة بمؤامرة شركات الأدوية لنشر الأمراض، وإلى الغذاء حيث تتآمر كبرى شركات المطاعم العالمية لإنتاج الغذاء الضار، وحتى إلى الرياضة فهي مؤامرة لإلهاء الشعوب عن مشاكلها الحقيقية..
كثير من نظريات المؤامرة لا قيمة لها في أرض الواقع، لكن بعضها له آثار ضارة، فما هي أسبابها كي نتلافاها، خاصة في الشرق الأوسط؟ هناك أسباب عامة للعالم، وخاصة للشرق الأوسط. بداية هناك الشك الطبيعي الذي قد يتحول إلى ارتياب هوسي، تقول كارين دوغلاس (أستاذة علم النفس بجامعة كِنت): «كلنا نجنح، بشكل أو بآخر، للارتياب في الحكومة.. فمن الطبيعي أن نشك في المجموعات أو الأشخاص الذين لا نفهمهم... يعد الشك من الجماعات الأخرى أحد أساليب التكيف لكي يحمي الشخص نفسه..» حسب بي بي سي، ميليسا غينبوم.
السبب الثاني هو فك الغموض عندما تقع أحداث يصعب فهمها أو عندما تقع عشوائياً أو صدفة.. فتبحث عقولنا عن تفسير أو تخترعه، يقول عالم الفيزياء ديفيد غرايمز: «يموج الكون بالأحداث والتغيرات التي تقع بلا تخطيط مسبق، وهذا قد يحمل الناس على نسج قصص لربط الأحداث ببعضها، حتى لو كانت هذه القصص من نسج الخيال ولا أساس لها من الصحة».
ومن أكثر الأسباب شيوعاً هو الاتجاه الفكري للشخص خاصة الإيديولوجي الذي يُركِّب الأحداث وفقاً لما يؤمن به من نظريات وليس للأحداث الواقعية، فلا يرضى أن تناقض الأحداث الواقعية إيديولوجيته فيصيغ مؤامرات لكي يحافظ على قناعاته الراسخة. كذلك إدعاء المعرفة كما وجدته دراسات مايكل بيليغ (أستاذ علم النفس الاجتماعي)، الذي كتب: «نظرية المؤامرة تتيح فرصة للوصول إلى معلومات خفية ومهمة وبديهية، بحيث تجعل من يرددها خبيراً، لأنه تحصَّل على معلومات لا يعرفها أحد غيره حتى من يطلق عليهم خبراء».
ويعد الإنترنت من العوامل المساعدة على انتشار نظرية المؤامرة التي لا تعتمد على أدلة بل على أخبار زائفة.. يقول ستيفان ليونداوسكي (أستاذ علم النفس بجامعة بريستول) عن نظرية المؤامرة: إن كل هذه الآثار ترتبت على السيل المتدفق من المعلومات الزائفة التي نواجهها على الإنترنت في العصر الحالي، الذي فقدت فيه الحقيقة هيبتها.
بالنسبة للدراسات حول الشرق الأوسط، فحسب الباحث كونور كوبشيك (معهد واشنطن)، يرى البعض أن السياق الثقافي للمنطقة يجعلها أرضًا خصبة لنظريات المؤامرة، مثل المؤلف دانيال بايبس في كتابه «اليد الخفية: مخاوف الشرق الأوسط من المؤامرة». وتوضح دراسات أخرى أن أسباب خوف الناس في الشرق الأوسط من المؤامرات الأجنبية له مبررات من مؤامرات سابقة مثل اتفاق سايكس-بيكو وأزمة قناة السويس وإطاحة الاستخبارات الأمريكية برئيس الوزراء الإيراني محمد مصدق. لكن كونشيك يشير أيضاً لدور القادة المستبدين في تعزيز نظريات المؤامرة لتحقيق أهدافهم الخاصة بإلقاء اللوم على مؤامرة صهيونية أو أمريكية كبيرة لصرف الاهتمام عن قصور أنظمتهم، وتحويل المواطنين إلى قوميين متطرّفين. وبالمثل، وثّقت ليزا ويدين في كتابها «غموض الهيمنة»، أن بشار الأسد أطلق نظريات مؤامرة عدّة لهذا الهدف..
في دراسة موسعة (غابرييل كولر ديريك وآخرون) حول الصحف المصرية، أوضحت أن تشكّل نظريات المؤامرة جزء لا يتجزأ من الثقافة السياسية في الشرق الأوسط ولا يمكن تفسيرها بشكل كامل بعامل واحد كسيطرة الدولة على الإعلام، فحتى عندما تحرر الصحفيون من قيود الدولة، اعتاد الصحفيون المصريون على لغة المؤامرة. غالبا تؤثر الحملات الدعائية الواسعة لنظرية المؤامرة في تغير نظرة الشعب، ففي عام 2011، وجد مركز أبحاث «بيو» أن 22 % فقط من الأردنيين يعتقدون أن عرباً هم من ارتكبوا الهجمات التي وقعت في 11 سبتمبر، مقابل 39 % في عام 2006.
هذه التأويلات لنظرية المؤامرة التي تلقي اللوم على الآخر وتبرأ المخطئ الفعلي أو السبب الداخلي تفاقم حالة الاستقطاب العالمي والنفور المتبادل بين الحضارات، وتعمق الشرخ بين شعوب الشرق الأوسط والآخرين، وتزيد الفرقة بين شعوب الشرق الأوسط ذاتها، فضلاً عن أنها تنحرف عن الأسباب الرئيسة.. وما لم يتفوق التفكير العلمي والعملي على التفكير الخرافي والخيالي فسنجد من يقتنع بأن الزواحف تحولت إلى جواسيس..