سعود عبدالعزيز الجنيدل
جاء في سورة يوسف قوله تعالى: {قَالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَن تَذْهَبُواْ بِهِ وَأَخَافُ أَن يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنتُمْ عَنْهُ غَافِلُونَ}، ومما جاء في تفسير هذه الأية الكريمة: أن نبي الله يَعْقُوب عليه السلام قال لَهُمْ: {إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَن تَذْهَبُواْ بِهِ}- أي يوسف عليه السلام- مَعَكُمْ إِلَى الصَّحْرَاء, مَخَافَة عَلَيْهِ مِنْ الذِّئْب {أَنْ يَأْكُلهُ وَأَنْتُمْ عَنْهُ غَافِلُونَ} لَا تَشْعُرُونَ».
هذه الآية الكريمة أردتها مدخلاً لهذه المقالة، التي ستسلط الضوء على حدود خوف الآباء على أبنائهم.
مما لا شك فيه أن الأبناء نعمة كبيرة من الله جلَّ ذكرُه، وهم مع المال زينة الحياة الدنيا، فالأب يسعى جاهداً ويكافح من أجل أن يرى مستقبلاً مشرقاً لابنه، لا يهمه في مشواره هذا الجهد المضني، كل مراده ومبتغاه أن يرى ابنه أحسن الأبناء.
هذا الهدف الذي يسعى الأب لتحقيقه قد يجعله يخطئ الطريقة التي ينشّئ ابنه عليها، فلا تجده يتحمَّل أن تطأ قدما ابنه الشوك خلال مسيرته، وكأن وظيفته هي نزع الشوك من طريقه خشية خدشه أو جرحه، وكأن الشوك سينتهي، والأب سيعيش حياة سرمدية، تكون وظيفته خلالها نزع الشوك من طريق ابنه.
وهذا في الحقيقة طريق عاطفي، لا يمت لحقيقة التربية في شيء، بل بالعكس تماماً، فهذه الطريقة ستجعل الابن يتربى على الاتكالية، والضعف، لأن هناك من سيتلقى الصدمات نيابة عنه.
وأسرد فيه هذا المقال مثال «التطعيم».
فالتطعيم هو عبارة عن حقنة تحتوي على كائنات مجهرية (فيروسات، بكتيريا ... إلخ) لها دور في أمراض معينة تحقن إلى داخل الجسم لاكتساب مناعة ضد الأمراض التي تسببها تلك الكائنات المجهرية، فهذه الكائنات تمنح الجسم مناعة تمكنه من مجابهة هذه الأمراض من تلقاء نفسه، بعد حقن الجسم بهذه الكائنات، ومن المعلوم سلفاً أن التطعيم أياً كان نوعه يتعب الجسم، ويؤلمه حتى إن الأطفال في مراحلهم الأولى يتعبون من أخذ التطعيمات، وترتفع حرارتهم، ولكن هذه التطعميات مهمة لهم في حياتهم، ولَك أن تتخيل لو أن الآباء هم من يأخذون هذه التطعيمات عوضاً عن أبنائهم، خوفاً وخشية عليهم! النتيجة قطعاً واضحة.
الوظيفة الحقيقة للأب هي تعليم الابن كيفية اجتناب وتفادي الشوك، وكيفية تحمّل الألم لو كتب له أن تطأ قدماه الشوك؟ وكيف يستفيد من هذا الألم الذي تعرض له، ليكون قوياً أكثر في المرات القادمة، فالضربة التي لا تقتلك تقويك.
فالتجارب الحزينة التي تذرف فيها الدموع، وتنكسر فيها الخواطر، ما هي إلا مصل مضاد يقوي الجسم في مواجهة هذه المواقف مجدداً، فهي بمثابة التطعيمات التي يتلقاها الجسم، ولو تدخلت محاولاً منع هذه الأحزان، فهذا سيفسد مناعته، ويدمِّر شخصيته، فأنت لن تعيش له أبد الدهر، أره الطريق الصحيح، ودعه يخوض تجاربه، وطرق الحياة الوعرة، وأمكث بعيداً، ترقبه عيناك الحنونتان، وكلما سقط مد إليه يدك لينهض، بعدها اتركه من جديد.
لا يكون خوفك عليه سبباً في تدمير شخصيته وحياته، فأنت قطعاً تتمنى له حياة مثالية، فلا يفسدها فرط خوفك!