هاني سالم مسهور
لم تكن العودة القطرية لدعوتها تدويل الحرمين مفاجئاً، فهذه هي المرة الثانية التي تُكرر قطر دعوتها لتدويل الحرمين، فلقد كانت الأولى قبيل موسم الحج 1438هـ وبعد ثلاثة أشهر من قطع علاقات الرباعية العربية (السعودية والامارات ومصر والبحرين) مع الدوحة، لكن هذه المرة تبدو أكثر مباغتة من الأولى وحولها تساؤلات أكثر خاصة أن الدعوة الأولى لتدويل الحرمين لم تجد صدى يُذكر في العالم الإسلامي بل إن كل المنظمات والهيئات الإسلامية أنكرت الدعوة القطرية واستهجنتها وأكدت أن الالتزام السعودي بخدمة ضيوف الرحمن لا يقبل الانتقاص منه، وتترجم الجهود السعودية المشاريع الضخمة التي تشهدها المشاعر المقدسة في كل موسم من مواسم الحج التي تعاقبت عليها الدولة السعودية الثالثة.
قضية تدويل الحرمين المثارة من النظام القطري في هذا التوقيت تحديداً تأتي لتغطية قرار الولايات المتحدة الأمريكية إدراج رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية على القائمة السوداء للإرهاب، ومن المعلوم أن حركة حماس واحدة من أذرع تنظيم الإخوان المسلمين والمدعوم من النظام القطري، كما أدرجت الخارجية الأمريكية حركة «الصابرين» الفلسطينية، وحركتين مصريتين هما «لواء الثورة» و»سواعد مصر» المعروفة إعلامياً باسم «حسم» على قائمة الإرهاب.
المفارقة في إدراج إسماعيل هنية على قائمة الإرهاب الأمريكية أنه جاء بعد يوم واحد فقط من الحوار الاستراتيجي الأمريكي - القطري والتي اشتمل موضوعات التجارة والاستثمار والأمن ومكافحة الإرهاب والطاقة والطيران، وهذه اللقاءات الأمريكية القطرية تأتي ضمن نطاق تنفيذ قطر للمطالب الثلاثة عشرة من الدول العربية المقاطعة عبر مذكرة التفاهم بين الدوحة وواشنطن التي أبرمت في يوليو 2017م.
وعلى مدار الأزمة القطرية من يونيو 2017م يُمكن للراصد والمتتبع للأداء القطري في التعامل مع المقاطعة سيدرك أن السلوك القطري يعتمد على خلط الأوراق وافتعال الأزمات مع الدول المقاطعة والتي كان آخرها اعتراض الطائرات الحربية القطرية لطائرة إماراتية مدنية كانت في رحلة اعتيادية بين أبوظبي والمنامة مما أُعتبر تصرفاً غير مسؤول من النظام القطري بتعريض حياة المدنيين للخطر، كانت هذه الأزمة واحدة من أزمات كثيرة لم تتوقف إطلاقاً في محاولة مكشوفة للبحث عن تدخل دولي بالضغط على دول المقاطعة العربية نتيجة شعور النظام القطري بالعزلة بعد أن قررت دول المقاطعة العربية اعتبار أزمة قطر من القضايا الصغيرة التي لا يجب إعارتها اهتماماً يتجاوز حجمها الحقيقي مما ووضع النظام القطري في ضغوط هائلة داخلية أدت لضعف اقتصادي وبات يهدد مستقبل قطر في تنظيم بطولة كأس العالم نتيجة نقص التمويل لمشاريع المونديال.
من الواضح أن النظام القطري يعاني من جراء سياساته الخاطئة ومنهجيته التي أضرت بالشرق الأوسط عبر تبني مشروعات الفوضى في العالم العربي ودعم الجماعات الإرهابية وهو الآن يحاول التخلص منها مع عدم قدرته على مواجهة الداخل القطري، هذه الحالة هي التي تصيب النظام الحاكم في قطر بالارتباك المستمر في تناول الموضوعات الحساسة ومنها تدويل الحرمين الشريفين وهو يُدرك أنه يُنفذ في هذا السياق طلبات أنظمة الحكم في إيران وهي لا تعبر عن قناعات الشعب القطري إطلاقاً إنما هي الارتباك في افتعال الأزمات والضجيج الإعلامي لتبرير مواقفه السياسية.
من اللافت أن قناة الجزيرة القطرية لم تتطرق من قريب أو بعيد إلى تحليل القرار الأمريكي بإدراج إسماعيل هنية ضمن القائمة السوداء للإرهاب فهذا الملف الأكثر حساسية يعيد التذكير بأن جماعة حماس مدرجة على قائمة الإرهاب الأمريكية منذ 1997م ومع إدراج إسماعيل هنية في القائمة السوداء الأمريكية يعني أن إمكانية إدراج أسماء شخصيات وكيانات أخرى بما فيها تنظيم الإخوان المسلمين في قائمة الإرهاب بات مسألة مفتوحة وهو ما يزيد الضغط على النظام القطري أكثر فأكثر، لذلك ليس من المستغرب افتعال الدوحة لأزمات إعلامية أخرى في سياق الهروب من واقع أزماته المتعلقة بارتباط النظام بكيانات إرهابية وشخصيات مُتهمة بالإرهاب.