محمد خالد الخنيفر
يُعَدُّ الحديث عن رسوم الإصدار التي تتقاضها البنوك الاستثمارية من الأمور التي يمكن وصفها بالصندوق الأسود، إذ تتباين تلك الرسوم وفقاً للمنطقة الجغرافية، وكذلك حجم الطلب والعرض وقوة المتانة الائتمانية للجهة المُصدرة وحجم مبلغ الإصدار، وما إذا كان هذا الإصدار عاماً أو خاصاً.
الكوادر المتخصصة
تعيش السعودية ومنطقة الخليج ككل حراكاً ملاحظاً بأسواق الدين، سواء من قبل الحكومات أو الشركات. وفي ظل محدودية ثقافة أسواق الدين بمنطقة الخليج (مقارنة مع ثقافة الاقتراض المصرفي)، فإن المجال يبدو خصباً لرفع رسوم الإصدارات للقادمين الجدد. فقلة خبرة إدارة الخزانة بتلك الجهات المُصدرة يعني إمكانية خسارتهم لأموال ضخمة كانت في متناول أيديهم وسيفقدونها جراء رسوم تكلفة الإصدار التي قد يكون مبالغاً بها. فمسألة إعداد جهة ما لإصدار صكوك دولارية تشتمل على التعاقد مع بنوك مرتبة للإصدار وثلاث شركات قانونية وإنشاء شركة غرض خاص والتعاقد مع وكالة تصنيف ائتماني (أو أكثر). وفي السعودية تتباين رسوم الإصدار وفقاً لعملة أدوات الدين المراد إصدارها. حتى رسوم المستشارين القانونيين تتباين وفقاً لهيكلة الصكوك المستخدمة. والأمر نفسه ينطبق على منتجات شركات التصنيف الائتماني التي يتطلب الأمر التدقيق جيداً في المنتج الائتماني الذي يتوافق مع احتياجات جهات الإصدار.
أرامكو والدولار الواحد
نأخذ في عين الاعتبار أن بعض البنوك الاستثمارية تضع أولوية قصوى لبناء علاقة مع العميل (من أجل تسويق منتجات مصرفية أخرى ذات رسوم أعلى) مما يعني التضحية برسوم ترتيب إصدار أدوات الدين أو حتى رسوم الاكتتاب. فعلى سبيل المثال تستطيع أرامكو إصدار سندات دولارية وتعطي دولاراً واحداً لكل بنك أسهم في ترتيب الإصدار. حبذا لو نرى مثل هذه الجرءة في رمزية مثل هذه الرسوم من مكتب الدين العام بالسعودية وذلك عندما تتولى البنوك ترتيب القروض أو أدوات الدين.
الاستشارة الحذقة
استعانة الشركات العملاقة في الخليج بمصرفيين سابقين في أسواق الدين وضمهم لإدارة الخزانة قد يعني الكثير من حيث التوفير بكلفة الإصدار والاقتراض، لا سيما تلك الكيانات التي لديها احتياجات تمويلية ضخمة. فأرامكو مثلاً تنتهج مثل هذه المنهجية التي ذكرناها آنفاً. فالبنوك المرتبة للإصدار تتنوع تخصصاتها: فمنها من يمتلك فريق أسواق دين متمكن يعرف كيف يغلق مثل هذه الإصدارات. إلا أن هذه البنوك الاستثمارية تفتقر للودائع المليارية الفائضة (التي يمكن تسخيرها لصالح شراء جزء من الإصدار). وهنا يأتي دور البنوك التجارية الخليجية التي تمتلك هذه الميزة ولكن تفتقد لخبرة أسواق الدين. ولكن، هل يعني تفويض العديد من البنوك لترتيب إصدار صكوك أن رسوم الإصدار ستكون مرتفعة على جهة الإصدار؟ لا. ليس كذلك. حيث إن رسوم ترتيب الإصدار ستكون هي نفسها ولكن حصص البنوك ستكون منخفظة. معدل عدد البنوك المرتبة لإصدارات السندات الدولارية يتراوح ما بين 6.5 إلى 4.6. طبعاً بعض البنوك مستعدة لتقديم التنازلات مع الرسوم من أجل تتصدر جدول ترتيب البنوك الأكثر طلباً من حيث ترتيب إصدارات أدوات الدين (وهذه الإستراتيجية تجلب عملاء جدد)
حقائق
o بلغت رسوم البنوك الاستثمارية بالشرق الأوسط في 2017 ما يصل إلى 912 مليون دولار، منها 256 مليون دولار قادمة من جراء ترتيب إصدارات أدوات الدين (وهي الأعلى منذ 2000). (المصدر: رويترز)
o صحيفة الوول ستريت تمكنت من اقتناص «أسرار المهنة» الخاصة بتلك الرسوم والمتداولة حالياً بالقارة الآسيوية والولايات المتحدة الأمريكية. ثلاث شركات هندية دفعوا لبالكريز وستاندر تشارترد دولارًا وحدًا ولا غير لقاء ترتيب إصدار سندات! وهذه الظاهرة نفسها بدأت تنتشر في السوق الصيني (تتراوح ما بين 0.1% إلى 0.47%). الحكومة الصينية مع إصدارها السيادية الأخير دفعت فقط 0.1%.
o يصل معدل رسوم تريب إصدار أدوات الدين بالولايات المتحدة الأمريكية إلى 0.7% للسندات ذات الدرجة الاستثمارية العالية (أي إذا كان قيمة الإصدار ملياراً، فإن جهة الإصدار تدفع 7 ملايين دولار للبنوك. في حين يصل معدل هذه الرسوم لسندات «الخردة» إلى 1.2%.