استطاع مهرجان الملك عبد العزيز للإبل بعد انطلاق موسمه الثاني أن يكون واجهة حضارية وثقافية تستقطب الزوار من الأطياف الاجتماعية كافة. وإعادة تقديم ثقافة وتراث الإبل بشكل متخصص ومنظم يرتقي إلى العالمية، ونموذج من المهرجانات التي حفرت اسمها بحروف من نور بين الفعاليات والمهرجانات التراثية في المملكة العربية السعودية. واستطاع المهرجان تقديم الموروث الثقافي للإبل بصورة حضارية، وبطريقة علمية وترفيهية. فهو مهرجان ثقافي شعبي لمحبي التراث والإبل، تنظم من خلاله العديد من الفعاليات التراثية التي تسهم في إبراز اهتمام وجهود خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز في الحفاظ على التراث الثقافي والمعنوي. وتعدّ المملكة العربية السعودية من أكثر الدول التي تهتم بموروثاتها الحضارية والثقافية، وتسعى جاهدة للحفاظ عليها وتعريف المجتمع بمدى أهميتها باعتبارها جزءاً من حياتهم وهويتهم وثقافتهم وعاداتهم وتقاليدهم العربية الأصيلة، والإبل تمثل أحد أهم الموروثات الحضارية والثقافية التي أولتها الدولة اهتمامها الخاص، وذلك لارتباطها تاريخياً بحياة الشعب السعودي. ويهدف مهرجان الملك عبد العزيز للإبل إلى تأصيل تراث الإبل وتعزيزه في الثقافة السعودية العربية الإسلامية، وتوفير منظومة اقتصادية متكاملة من حيث المزاد والمستلزمات والصناعات المتعلقة بالإبل، وتنمية عوائده للمجتمع، وتحقيق الريادة إقليمياً وعالمياً، ويكون المهرجان أبرز ملتقى دولي عن الإبل، وتوفير وجهة ثقافية وسياحية ورياضية وترفيهية واقتصادية عن الإبل وتراثها. والمملكة اليوم واحدة من أكثر دول العالم حراكًا على صعيد تفعيل دور القطاع السياحي، وزيادة مستوى مساهمته في الناتج المحلي الإجمالي، وهو الأمر الذي يحقق رؤية المملكة 2030.
ومن ناحية التنظيم للمهرجان تولي دارة الملك عبد العزيز الإشراف والتنظيم للمهرجان، ولعل ما يلفت النظر في هذه النسخة من المهرجان تنظيمياً، اتجاه وزارة الزراعة للترقيم الإلكتروني للإبل المشاركة في المهرجان، بهدف تحقيق أقصى درجات التحوط الصحي التي تضمن بيئة صحية عالية الجودة، وهذه الخطوة لها بعد اقتصادي ووطني وبيئي يرسخ له المهرجان في المجتمع السعودي. وهوية وشعار المهرجان تضيف عمقاً ودلالات ثقافية للمهرجان، فشعار المهرجان يتكون من رأس جمل يرمز لجمال الإبل وموافقته التراث السعودي، وعلاقته المتصلة الدائمة بالصحراء وبيئة الإبل العامة، ويتضمن عبارة ترويجية "الإبل حضارة" التي تحمل دلالات ومعانٍ متنوعة: دينياً، واجتماعياً، واقتصادياً، وثقافياً، وكلها تحكي أن الإبل أيقونة لحضارة الجزيرة العربية. أهميته المهرجان ودوره الثقافي والتراثي: تعدّ المهرجانات التراثية محركاً فاعلاً ومؤثراً في حفظ التراث السعودي والوعي بأهميته وقيمته الوطنية والاستفادة منه. ويولي المهرجان اهتماماً بموروث الإبل والتراث المعنوي، وينمي الثقافة الوطنية للزوار والمشاركين من جهة، وتعزيز المحافظة على الهوية الثقافية من خلال عقد ندوات ومحاضرات ومناقشات ثقافية وتراثية وتوعوية. كما يعزز احترام التنوع الثقافي فيه والقدرة الإبداعية لديه، كالمهارات المرتبطة بالفنون الحرفية التقليدية، والتقاليد وأشكال التعبير الشفهي بما في ذلك اللغة، والفنون الأدائية وتقاليدها، والممارسات الاجتماعية والاحتفالات. وثمة مؤشرات اقتصادية مهمة، حيث بلغ عدد زوار المهرجان في نسخته الثانية نحو 600 ألف زائر وزائرة، بمتوسط عدد زوار يُقدر بـ20 ألف زائر يوميًا، مسجلاً بذلك معدلات نمو تٌقدر بنحو 100 في المائة، عن متوسط عدد زوار العام الماضي، الذي كان قد بلغ نحو 10 آلاف زائر وزائرة يوميًا. تميز الفعاليات: يحرص المهرجان على تقديم فعاليات تلبي حاجة جميع الزوار بمختلف فئاتهم وشرائحهم العمرية بهدف تحقيق شمولية البرامج من خلال فعالياته المتنوعة، وسيجد الطفل ما يحاكي اهتماماته ويجعله يتواءم مع تراثه من خلال أنشطة متنوعة، مثل: خيمة فنون الرمال، وأنواع الإبل ونوادرها، والرسم الزخرفي للإبل، والقبة البانورامية، وخيمة العرضة السعودية للتدريب على الأداء المفتوح للزوار، ومعرض سنام، ومسرح حوير، وخيمة تعاليل، وخيمة فنون الرمال، والمقتنيات الشعبية والتراثية المتوفقة مع هوية المهرجان في السوق الداخلي. ويشتمل السوق على عدة أركان وأجنحة للأسر المنتجة، والمأكولات والمطاعم الشعبية، والشعبيات والكماليات، والعطارة، والجلديات، والضيافة ومستلزماتها، والحرف الشعبية اليدوية، والتراثيات، والألعاب القديمة. وفعاليات المهرجان للعام الحالي تتضمن 28 فعالية، من أبرزها جائزة الملك عبدالعزيز لسباقات الهجن.
نقاط مضيئة في مهرجان الملك عبد العزيز للإبل
1 - وضعت إدارة مهرجان الملك عبد العزيز للإبل نصب عينها دعوة جميع فئات المجتمع وتقديم الفعاليات والخدمات التي تلبي كل رغباتهم، ومن تلك الفئات ذوو الاحتياجات الخاصة، وتقديم كل ما يحتاجونه من المرافق المؤهلة لهم، وكذلك ربطهم بما يقدم في المهرجان من معلومات وورش وأنشطة. وفي هذا الإطار وضعت لهم مدخلاً ومخرجاً خاصاً إلى أرض الفعاليات لذوي الإعاقة الحركية، ومواقف معينة لسياراتهم، كما قامت بالترجمة المتزامنة بلغة برايل للأفلام المعلوماتية والتاريخية عن الإبل المعروضة يومياً في فعالية معرض سنام.
2 - الاهتمام بالأسرة والطفل في الفعاليات من خلال مسرح حوير، والذي يخاطب الطفل بثقافة الموروث الشعبي.
3 - رحلة الباص السياحي للموقع طوال فترة المهرجان وتأهيل 3 طرق رئيسة لاستقبال الزوار.
4 - السوق التراثي ويوجد سوقان: أحدهما للأسر المنتجة، والآخر للمنتجات التراثية والمطاعم.
5 - مبادرة أَدِمْ نعمتك التي تهدف إلى حفظ النعمة وعدم الاسراف فيها، والتي تدعم عدة محاور اقتصادية وثقافية ودينية.
6 - مبادرة لا تَرْمِ الكيس، مبادرة للحفاظ على نظافة البيئة، وتوعية زوار المهرجان بمخاطر تجمع النفايات والأكياس اقتصاديًا واجتماعيًا وارتباطه بسلوك الفرد دينيًا وأخلاقيًا. وختاماً أوصي بنقل فاعليات مهرجان الملك عبد العزيز للإبل بشكل يومي على قناة تلفزيونية خاصة، وأن تكون هناك فقرة إخبارية يومية ثابتة لأخبار وفعليات المهرجان.
عبد اللطيف حسن أفندي - كلية السياحة والآثار، جامعة الملك سعود