محمد آل الشيخ
إيران لن تستطيع مواجهة المظاهرات والاحتجاجات الشعبية في النهاية، لأنها ببساطة لا تملك حل مشاكلها الاقتصادية المتفاقمة، إلا إذا تخلَّت عن ممارساتها التوسعية التي تحتاج تمويلاً، ومداخيل إيران تتجه بأغلبيتها إلى الصرف على الميليشات المستأجرة لتحقيق أهدافها التوسعية، إضافة إلى أن جزءاً كبيراً من هذا الدخل يتجه إلى تمويل برامج تصنيع الأسلحة، وبالذات الصواريخ البالستية، وعندما تتخلى عن هذين المجالين، فهذا يعني أن كل استثماراتها السياسية والتوسعية في العراق وسوريا ولبنان واليمن، ستنتهي إلى الفشل الذريع. لذلك أعتقد جازماً أن الإيرانيين لا خيار أمامهم لحصار الثورات التي ما إن تهدأ هنا حتى تثور هناك، إلا هراوات الحرس الثوري وقمعه الشهير، وتبني ممارسات السافاك التي كانت العصا الغليظة التي كان شاه إيران المخلوع يحكم بها إيران. ومثل هذه الأساليب قد تنجح في الأمد القريب، لكنها على الأمد الطويل ستنتصر عليها قطعاً إرادة المحتجين، مثلما احتجوا على الشاه وثورته البيضاء حينها وأسقطوه.
الفرق بين الثورة على الشاه، والثورة على الملالي، يكمن في أن مخالب الملالي القمعية، المتمثلة في الحرس الثوري، هي مخالب أكثر بطشاً وشراسة ودموية من جيش وقوى أمن الشاه آنذاك، فأولئك لم يكونوا مؤدلجين، ولا علاقة لعقيدتهم القتالية بالدين، قدر علاقة هذه العقيدة بالدفاع عن إيران الوطن، في حين أن ميليشيا الحرس الثوري مؤدلجون دينياً، ويؤمنون إيماناً عميقاً بما يقوله الولي الفقيه والملالي، ولا يترددون في قتل كل من يواجههم لحماية النظام، كائناً من كان، حتى ولو أفنوا نصف الشعب الإيراني؛ أي أنهم ميليشيا داعشية، شرسة، على غرار الدواعش، الفرق بين أولئك وأولئك العقيدة المذهبية.
وفي ظل الجوع والفقر والفساد، والاقتصاد المنكمش الذي تعيش فيه إيران، وعدم القدرة على توفير ما من شأنه أن يحسن الأوضاع الاقتصادية، بل على العكس من ذلك تماماً، فإنني أرجح وبقوة أن إيران في السنتين أو الثلاث القادمة، ستشهد حرباً أهلية طاحنة، خاصة إذا أحكمت الولايات المتحدة الحصار عليها، وقلصت من قدرة بنوكها على التعامل مع الاقتصاد العالمي الخارجي، ولا شك أن مثل هذه الإجراءات فيما لو تمت، ستكون بمثابة الزيت الذي سيؤدي إلى تفاقم الأوضاع الداخلية، وبالتالي إشعال نيران الثورة الشعبية، التي ستظل تشتعل مرة بعد أخرى، حتى تنهك الحرس الثوري. وفي المقابل لن يقبل الحرس الثوري أن تنهار الثورة التي تشرب عقدياً الذود عنها وحراستها، وسيحاول قطعاً إخمادها مهما كان الثمن؛ لذلك فإن كل المؤشرات الموضوعية تشير إلى أن جماهير الجياع إذا انتفضوا، فليس أمام الحرس الثوري إلا مواجهتهم بقوة السلاح.
وإذا أخذنا تجربة بشار في سوريا كمثال، فإنه لم يستطع كبح الجماهير السورية عندما ثاروا عليه إلا بعد تدخل الروس، فقد فشل الإيرانيون في مواجهة الشعب السوري بجيشه وميليشياته الطائفية المختلفة، ما يجعل فشله في إيران هو الأقرب؛ فالشعوب الجائعة إذا ثارت فإن ثورتها تتحول إلى حرب أهلية طاحنة، تماماً مثلما يحصل الآن في سوريا.
كل ما أريد أن أقوله هنا إن الفشل الاقتصادي الذريع الذي حتماً سيواجهه الملالي، هو دائماً وأبداً السبب والمبرر والباعث للحروب الأهلية.
إلى اللقاء