د. محمد عبدالله العوين
يكون المال نقمة حين يقع في أيدي السفهاء!
وهكذا هو حال الغاز القطري؛ فقد ألهب الغاز المشتعل باللؤم والخسة القلوب والأفئدة والضمائر الخربة في عواصم العالم الحيَّة والميتة والمشهورة والمغمورة، ووصل المال السائل بكل لغات وعملات العالم إلى الأيدي المتلهفة له من عرب وعجم وأدعياء نضال وجهاد وعروبة وخونة ظاهرين لا يشك أحد في خيانتهم لأوطانهم ومستترين بورقة التوت التي لا تستر عورة.
كيف تحولت النعمة إلى نقمة ونقلّب النعيم إلى جحيم واللقمة إلى غصة وجرعة الدواء إلى سم والسلاح في اليد إلى خنجر!
فبعد الفقر والشظف كان من المؤمل أن تستمر وتيرة الصعود إلى الأمثل والأرقى في خطوات تحديث متئدة بدأها حكام قطر الأوائل العقلاء من الشيخ علي بن عبد الله آل ثاني (1949- 1960م) إلى الشيخ أحمد بن علي (1960- 1972م) إلى الشيخ خليفة بن حمد (1972- 1995م)، حيث كانت الأمور تسير سيراً طبيعياً في مواءمة بين السلفية والتحديث إلى أن انقلب الابن حمد على أبيه خليفة عام 1995م وهنا بدأت الكارثة.
تفجرت ثروة الغاز في بداية عهد خليفة بن حمد؛ وإن كان الاكتشاف قد بدأ في عهد سابقه عام 1971م إلا أن الطفرة الاقتصادية لم تظهر آثارها إلا في العقود الثلاثة التالية بما كان يرشح قطر أن تكون دبي ثانية في الخليج لو واصلت تقدمها في البناء والتنمية بحكمة ووعي لمخاطر القفز على حقائق التاريخ وقيم الدين والعروبة.
ولئن كان من الضرورة الإشارة إلى أول خطوة لئيمة بدأها حمد بن خليفة قبل الارتماء الأهوج في حضن الأعداء وقبول العمالة كمنفذ لمخططاتهم مقابل جزء من الكعكة؛ فإنه يحسن بنا أن نعيد التذكير بخيانته لأبيه وانقلابه عليه وعقوقه له ومطاردته في بلدان العالم عن طريق الإنتربول الدولي في سابقة يندر أن تحدث من ابن لأبيه.
وإذا كان هذا شأنه مع من تحدر من صلبه وكان حقه الرعاية والاهتمام والبر فإنه ليس غريباً أن تصدر منه خيانات لجيرانه أو مكايد ضدهم أو نقض عهود أبرمها معهم.
وهنا لا نجد تفسيراً نفسياً لسلوك حمد بن خليفة السياسي إلا بما وقر في وجدانه من باب الوهم والخيالات المرضية أنه «زعيم» ينطوي على قدرات قيادية متفردة يستطيع من خلالها إعادة صياغة جغرافيا المنطقة وربما العالم وفق رؤيته الخاصة التي تقترب في مفهوماتها من النزعات الشوفينية الثورية المتمردة عند الموهومين بالعظمة الكاذبة وبأنهم بشر مختلفون وليسوا كالبشر العاديين؛ فهم - كما يوحون لأنفسهم - موكول إليهم التغيير والانقلاب على الواقع كهتلر في النازية الألمانية أو جيفارا في الفكر الكوبي الأممي الثوري أو عبد الناصر أو القذافي في الفكر القومي العربي.
وهكذا نسج هذا الوهم المرضي خيوط لعبة النار في المنطقة العربية، وأوقد الغاز الآثم النيران في سوريا ومصر وليبيا واليمن والعراق، وبدأت معها شعلة التنمية والنهضة في قطر تخبو وندعو الله ألا تحترق في ما أوقدته من لهب.