فهد بن جليد
أخشى أن يأتي اليوم الذي نشتاق فيه لكبار السن ولا نجدهم بيننا, وكأنَّهم أسقطوا - دون قصد - من مُعادلات التطوير السريعة والمُتلاحقة التي يشهدها مُجتمعنا، وأجبروا على البقاء حبيسي المنازل وثقافتهم التي تمنعهم من الاندماج الطبيعي والتكيف مع المُتغيرات كجزء فاعل ومهم من منظومة المجتمع اليوم لأنَّ أحداً لم يلتفت إليهم, كيف سيتقبل كل من تجاوز الستين من العمر ما يعيشه المجتمع اليوم من خطوات وتحولات تصحيحية تناسب حياة ومُتطلبات الجيل الحالي.
- بل إنَّ بعض من تجاوزوا الأربعين يعانون كذلك - هل كُتب على هؤلاء الشعور بالغُربة بين أبنائهم وداخل مُجتمعاتهم, وكأنَّهم يعيشون في زمن ليس بزمنهم, هناك من كبار السن من نجحوا بتلقائية وبرغبة شخصية منهم ونتيجة لظروفهم المُختلفة في اللحاق بركب التطور التقني, والتغير الاجتماعي, والتكيف مع كل هذا بالسرعة المطلوبة كجزء منه, بينما نحن ننتظر مُبادرات تشمل الجميع وتساعدهم وتحفزهم لذلك بخطط فاعلة دون تجاهل.
من هي الجهة المسؤولة عن وضع برامج ودورات وجلسات نقاش لكبار السن, لتبسيط وشرح ما يشهده المجتمع من تطور وتغير إيجابي تتطلبه المرحلة الحالية التي يمر بها, بعيداً عمَّا عاشوه في عصرهم - غير البعيد - من مسَلمات وقناعات كانوا يعتقدون بعدم مُناسبتها لمُجتمعنا المحلي, ولكنَّها اليوم باتت حقائق وواقعا مُعاشا بدءاً من السماح بقيادة المرأة للسيارة, ومروراً بافتتاح دور للسينما... إلى غير ذلك من خطوات تطويرية هامة, نحن بحاجة لتهيئة كبار السن على تقبل مظاهر الحياة المجتمعية الجديدة والتكيف معها بالشكل الصحيح والمأمول، كخيار هام لنا نحن السعوديين من أجل العبور ببلدنا نحو المُستقبل بكل ثقة, دون أن يتسبب ذلك لهم بأي صدمة أو غربة, وكأنَّ العالم من حولهم يتغير بسرعة كبيرة جداً دون أن يُعيرهم أحد الاهتمام المطلوب الذي يستحقونه, وهو ما قد يجعلهم يواجهون صعوبة في فهم ما يجري بالشكل الصحيح, وتتعكر أمزجتهم نتيجة تلك المُتغيرات وكأنَّهم ليسوا جزءاً منها.
هنا أقترح أن تتبنى وزارة العمل والتنمية الاجتماعية - مشكورة - مثل هذه المُبادرة من أجل كبار السن, وتستعين بمُختصين من أجل تقديم وإدارة مثل هذه البرامج وحلقات النقاش حول التغيرات التي يعيشها مُجتمعنا وأهميتها وكيف يمكن التكيف والاندماج معها حتى لا يشعر المُسن بالعزلة, لنُسهل الطريق أمام هذه الفئات الغالية في مجتمعنا لفهم ما يجري بالشكل الصحيح, واللحاق به تقنياً واجتماعياً ومعرفياً وثقافياً والاستفادة من كل ذلك, وتكييفه لصالح رفاهيتهم في الحياة وتلبية كل متطلباتهم, بعيداً عن اجتهاد الأبناء أو الأحفاد ومحاولاتهم لشرح ما يجري, أو ترك المُسن يرقب كل ذلك بصمت, هؤلاء الآباء والأجداد (من الجنسين) يستحقون منَّا مثل هذا الاهتمام وهذه اللفتة.
وعلى دروب الخير نلتقي.