د. محمد بن إبراهيم الملحم
الطلاب هم هؤلاء الكائنات والأسباب متعددة أولها المدرسة وثانيها المنزل وثالثها غياب التوعية الصحية المجتمعية وحينما نبدأ بأوسط هذه وهو الوالدين سنقول: إنه قلة وعيهما بأهمية الماء لأبنائهم وبناتهم، وهي مرة أخرى نتيجة من نتائج العاملين الأول والثالث، بل إن الثالث أيضاً متأثر بكسل العامل الأول أعني المدرسة والتي هو قدوة لكل الجهات في التوعية والتوجيه وتخرّج الأجيال التي إن تعرضت لتركيز توعوي في شأن ما قامت هذه الأجيال بتطبيق تلك التوعية المدرسية في مجال عملها، وكذلك في دورها الوالدي بالمنزل. لم استعرض معكم ماذا أقصد بأهمية الماء للصحة لأنه من المعلومات الشائعة فنقص شرب الماء سبب لتلف الكليتين وسوء الهضم والإعياء والصداع وهبوط الضغط وألم المفاصل، وكلها مشاهده في جيل اليوم... وطالما الحديث عن المدرسة والتعلم فيكفي أن نعلم أن 90 % من الدماغ من الماء، ولذلك فإن نقص الماء يسبب النسيان، وصعوبة التركيز، وصعوبة اتخاذ القرار لحل المشكلات (حل المسائل هنا).
السؤال الذي نوجهه للمدرسة: ماذا قدمت وماذا وفرت؟ فأما سؤال «ماذا قدمت؟» فهو في سياق التوعية وتشجيع الطالب على شرب الماء، فكم هي اللوحات الإرشادية التي يمكنك مشاهدتها في المدارس وكم نسبة المحاضرات والنشرات التوعوية، بل التعاميم التي توجه المدارس إلى الاهتمام بهذا الأمر؟ هل تعمل المدارس مهرجاناً أو أسبوعاً تسميه أسبوع التوعية بشرب الماء؟ هل ترسل للوالدين رسائل توجيهية بالاهتمام وتعويد الطالب على شرب الماء قبل أن يأتي للمدرسة؟ خاصة أن خبراء الصحة ينصحون بشرب الماء في الصباح الباكر لأهميته في توازن الجسم بل ثبتت فعاليته للاستشفاء من بعض الأمراض أو للوقاية منها. بعض المطلعين «والمجربين» سيبتسم عند قراءة هذا المقال قائلاً: ألا تعلم أن المعلمين لا يريدون نشر هذه الثقافة لأن إقبال الطلاب على شرب الماء يعني زيادة استئذانهم أثناء الشرح للذهاب لدورة المياه! وسوف أترك التعليق لكم لأن الاستسلام لمثل هذه الأطروحات هو ما أوصلنا إلى ما وصلنا إليه من فقد الوعي بالمسؤولية الاجتماعية سواء في إطارها الوطني أو الديني أو الأخلاقي، وأصبح المعلمون يمارسون المهنة بروح الموظف المكلف بمهمة ميكانيكية (تحضير ووقوف وحديث وواجبات واختبار) فعليه أن ينجزها في صورتها وهيئتها كما طلب منه بغض النظر عن استفادة الطالب أو تربيته أو تهذيبه أو حتى رعايته.
سوف أسأل السؤال الثاني للمدرسة (أو من وراء المدرسة: الوزارة للحكومية والمالك للأهلية) وهو سؤال: ماذا وفرت المدرسة؟ من حق الطالب أن يجد أدنى ضروريات الحياة عندما يسلمه أهله للمدرسة فيجد المبنى الذي يحميه والأثاث الذي يجلس ويؤدي الأعمال عليه ويجد المكان الذي يخرج فيه لفسحته واستراحته فيتنفس هواء منعشاً، ويجد دورة المياه المحترمة التي تكفل له خصوصيته ويتوفر بها الحد الأدنى، كما يجد الماء الذي هو من ضروريات الحياة، كل ذلك يجب أن يتوفر له لا أن يشتريه يومياً من المقصف فلا يشتري الهواء المنعش ولا دورة المياه ولا ماء الشرب أيضاً! في تصاميم المدرسة الحكومية توضع برادات مياه بجوار دورات المياه غالباً، ويسلك لها من مصدر المياه العادية مع وضع فلاتر، وبعد ثلاث إلى أربع سنوات تصبح متسخة وصدئة لا تتصور أن تشرب منها فلا صيانة ولا اهتمام ولا يوجد عقد متخصص لهذه الوظيفة لتغيير الفلاتر وتنظيف خزانات البرادات وضبط درجة البرودة بما لا يضر الطلاب، الأمر تحت تصرف مدير المدرسة واجتهاده فقط وأما الوزارة فهي تكتفي بأنها وفرت هذه البرادات وفلاترها عند الإنشاء كإثبات وجود لا أكثر. في العالم المتحضر يتوفر بالمدرسة مصدر مياه الشرب النقية المفحوصة ولا يحتاج الطالب أن يحضر معه الماء، أما لدينا فهو يشتري (من المدرسة) الماء لكي يشرب ويعيش! لماذا لا يوفر ماء الشرب الموثوق للطالب مجاناً (لا برادات المياه الباهتة) أم أن الطلاب كائنات تعيش بدون الماء!