خالد بن حمد المالك
توقفت عن زيارة بغداد قرابة ثلاثين عاماً، فقد حالت الأحداث (قسراً) دون زيارتها، كنت زرتها لأول مرة لحضور مؤتمر القمة العربي إثر زيارة الرئيس المصري الأسبق السادات لإسرائيل واعترافه بها، وكانت آخر زيارة لي خلال الحرب العراقية - الإيرانية ضمن وفد رؤساء التحرير المرافقين للملك عبدالله بن عبدالعزيز حين كان رئيساً للحرس الوطن ونائباً ثانياً لرئيس مجلس الوزراء، وبين هاتين الزيارتين كانت لي زيارة مع الملك فهد حين كان ولياً للعهد، ضمن زيارات أخرى في فترات زمنية مختلفة، وهاأنذا أعود لزيارة العراق من جديد ضمن وفد إعلامي كبير ضم عدداً من رؤساء تحرير الصحف الورقية والإلكترونية.
* *
وزيارة العراق، أو (بلاد ما بين النهرين) كما كان اسمها قديماً، حيث تضم المساحة ما بين نهري دجلة والفرات، هي زيارة لبلاد الرافدين بتاريخها وحضارتها وانفتاحها على العالم منذ القدم، حيث السومرية والبابلية والكلدانية والآشورية والميديون والسلوقيون، وحيث الإمبراطوريات البارثية والرومانية والساسانيون والمناذرة والخلافة الراشدة والدولة الأموية والدولة العباسة والمغول والدولة الصفوية والدولة الأفشارية والدولة العثمانية والانتداب البريطاني، وهكذا هي العراق حضارات ودول، وأنظمة حكم متعددة، -كما وجدتها في المصادر التي رجعت لها- إلى أن انتهى بها المطاف إلى الملكية ثم الجمهورية في العصر الحديث.
* *
اشتهرت العراق بالشعراء والأدباء والكتّاب، كما اشتهرت بالفنون والمهرجانات الثقافية والمتاحف والمكتبات والمقاهي الثقافية، حيث شارع الرشيد وشارع المتنبي في بغداد وغيرهما، وإن كان هذا الحراك الثقافي والفني والإبداعي في مختلف الفنون والثقافات قد خبا إلى حد كبير إثر الغزو الأمريكي للعراق عام 2003 وما صاحبه من نهب لآثار العراق وتدمير لكل ما تميّزت به بغداد من متاحف ومكتبات وقاعات للفن التشكيلي، غير أن هذا لا يلغي تاريخياً أقدميتها وتميزها بالتعليم والموسيقى والمسرح والسينما والصحافة، وأن بغداد كانت وستظل مركز إشعاع لكل العلوم والمعارف، ومصدر إلهام لكل الفنانين والأدباء والشعراء.
* *
اقتصر زيارتنا للعراق على العاصمة بغداد، التي بناها الخليفة العباسي الثاني أبو جعفر المنصور بين عامي 762 و764م وأطلق عليها اسم الزوراء ومدينة السلام وسميت أيضاً مدينة المنصور، وكانت مركز الخلافة الإسلامية وعاصمة الدولة العباسية، وكانت زيارتنا لها من خلال التنظيم والإعداد الجيدين اللذين أعدا من قبل نقابة الصحفيين العراقيين قد ساعد الوفد الإعلامي السعودي في معرفة الكثير من التفاصيل عن الحالة العراقية من خلال اللقاءات بالقيادات العراقية وبالمواطنين والمرور بشوارع وميادين بغداد، حيث تستطيع العين أن تلتقط الصورة الحقيقية عن الوضع والناس وما تركته الحروب من آثار انعكست على ما انتهى إليه الوضع في العاصمة العراقية حتى الآن.
* *
هذا مدخل أو مقدمة أو استهلال لما أريد أن أكتبه على حلقات من انطباعات عن الزيارة الإعلامية لبغداد، أحاول أن أعتمد فيها على ما سمعته ورأيته، دون أن أتخلى عن رأيي الشخصي وما استدعته حالة الاندهاش مما رأيته إيجاباً وسلباً في بغداد، حيث كانت فترة زيارتنا إلى هناك لا تخلو من مشاهد لا يمكن أن يُغض الطرف عنها، أو لا تكون لها فرصتها في القراءة والتحليل حتى ولو كان ذلك على عجل.