العوامل البصرية وتأتي بعدها السمعية هي التي تعمل عملها في الحلم، أما الحركات والسكنات والماديات المحيطة بك فلا أرى أثراً لها في الحلم، ولا تهمني آراء علماء النفس في هذه الباب، رغم أنها تحمل رؤيتها وتجاربها وبناءها الدراسي، وعدم اهتمامي لا يعني مصادرتها، ولا يعني إهمال هذا الجانب في قراءاتك، بل يعني أن تجربتي بعد أن وصلت إلى هذا العمر تكفيني كي أضع لك تصوري في المسألة كي تعيش تجربتي طوال سنين عديدة، (وتجربتي كما تعلم لا تتوقف على القراءة أو الاحتكاك أو التنقل في إطار العمل واكتساب الخبرات أو الإنصات لمحاضرات دينية أو نفسية أو فلسفية أو آراء كتاب وكاتبات، بل إنها كانت ترسم تصورات الحلم، واختراق الضوء المشع الذي تفتحه العين قبل النوم في أحلام اليقظة، يقظة ما قبل النعاس، إذ إنك ستلمس في الكوات التي أمامك تصوراً خارقاً وخارجاً عن العادة، حيث إن هناك شعاعاً تجده وأنت مغمض العينين يتحول إلى حالة مرسومة أمامك، هذه الحالة تنعكس عليك وأنت مستلق بعد تعب يوم، بل بعد أن استقبل بصرك العديد من الصور وخزنها وبعد أن استقبل سمعك الكلمات وخزنها فتلتئم الصورة في هذا الحلم اليقظ عبر هذا الشعاع وتغفو. لتشعر أن جزءاً من نهارك أو أسبوعك أنه انعكس في حلمك وكون لديك حالة تراها وتسمعها وتشعر بها. من هنا فإن هذه الحالة قد تكون انعكاساً لما وددت عمله، وقد تأتي في إطار الخيال، ولكن هي في نفس الوقت تستمر في بناء العقل وتبقيه يعمل حتى وهو نائم. ولهذا وفيما أرى فإن الطغاة يستخدمون التنويم المغناطيسي كي يجذبوا الأفكار ويصلوا إليها، ممن؟ من طغاة آخرين أو من أناس مسالمين ولكنهم ضد توجهاتهم الطاغية. إن الفكرة الإسلامية في الحلم عبر قصة يوسف ليست في ذات الحلم، بل في الفعل الذي حدث بعد الحلم، حيث إنه جاء من المستقبل الذي سيحدث ولم يأت من الماضي كما يرى بعض الفلاسفة، وهو تصور لو قُرئ بشكل صحيح قد يقدم فتحاً جديداً في الأحلام، فعصارة المخ قد تقدم إشاراتها المستقبلية من الحلم.
من هنا أشير عليك أن بعض الأحلام تخبرك بما سيأتي، وتستطيع أن تتعرَّف على الإشارة الصحيحة من خلاله وأن تدرك أنها رسالة توجهك نحو ما ستفعل، فلا تتغافل عنها وتبيّن صحيحها من خاطئها، واترك رجع الصدى يبقى مثلما هو لأن الماضي هو بناء على بناء وبتطوري الفكري فإنني أرفع البناء هذا إلى الأعلى، ولا أعود إلى الدور السفلي من أجل أن أعيد البناء لأن القاعدة أصلاً ثابتة، ومتى ما عدت إليها من أجل إعادة بناءها فإنك ستخل بها، وستخرج عن خطها. أرأيت لو بنيت برجاً ووصلت الطابق العشرين، ثم استمررت تفكر في قاعدة هذا البناء ورأيت أن عموداً فيه يختلف عن الآخر أو أن هذه القاعدة يفترض أنها أعرض أو أنها أضيق مما هي عليه.. ما الذي ستفعله؟ ستذهب إلى هدم البناء كله وتعود من جديد. وهذه هي المشكلة الدائمة التي أحدثك عنها في الفكر من حولك.. فكن حذراً في هذا الموضوع بالذات.
إن القاعدة الإسلامية ثابتة وهي قاعدتك التي تسير عليها، الأصل - وسأكرر - ثابت لا يتغير. لكن الحلم تستطيع أن تجعله مفتاحك نحو الحياة إلى الأمام وليس إلى الخلف.
- غداً أو بعد غد يمارس الناس سواءتك التي ينهونك عنها!!
محمد الغامدي - برناردشو