إبراهيم عبدالله العمار
المؤرِّخ ديفد بل اعتاد قراءة الكتب والبحث فيها، ثم قرر ذات مرة – بناء على اقتراحات أصحاب – أن يجرّب قراءة كتاب رقمي. كانت أول مرة له، فلم يعرف إلا الكتب الورقية، فماذا قال عنها؟
يقول: «ما هي إلا ضغطات بسيطة حتى ظهر النص على شاشتي، أبدأ القراءة، ورغم أن هذا الكتاب جيد إلا أني أجد صعوبة بالغة في التركيز، أحرك عجلة الماوس للأمام والخلف باحثاً عن كلمات مفتاحية وأقاطع نفسي بشكل أكثر من المعتاد لأملأ كوبي بالقهوة وأتابع إيميلي والأخبار وأرتب ملفات في درجي، في النهاية أتمّ القراءة، لكن بعد أسبوع لا أكاد أتذكر أي شيء مما قرأت».
تجربته ليست نادرة، بل هي الأساس عندما تقرأ كتاباً إلكترونياً، عندما يحوَّل الكتاب المطبوع لكتاب إلكتروني يتحول فعلياً إلى...موقع إنترنت! كلماته تصير مغلفة بكل التشتيتات الموجودة في عالم الإنترنت، روابط ومحسنات رقمية أخرى تقذف القارئ هنا وهناك، تتحطم خطّية الكتاب المطبوع (حيث تَقرأ في مسار ثابت من البداية للنهاية) بالإضافة إلى تحطم الانتباه الهادف الذي يشجعه الكتاب المطبوع. يبدأ يفقد تميّزه، ويذوب في أمواج الانترنت المتلاطمة.
التغير في طريقة القراءة أيضاً يجلب تغيراً في طريقة الكتابة حيث يقوم الكتاب والناشرون بمجاراة هذه الطباع الجديدة للقراء. مثال لهذا يحدث في اليابان، في عام 2001م، بدأت شابات يابانيات في كتابة قصص على الجوال كسطور من الرسائل النصية ورفعوها على موقع إنترنت، حيث يقرأها آخرون ويعلقون عليها. راجت هذه الطريقة وبعض هذه الروايات وجدت ملايين القراء على النت، انتبه الناشرون وبدأوا يجلبون هذه الروايات ككتب مطبوعة، صارت روايات الجوال تطغى على قوائم المبيعات، فثلاثة من أكثر الروايات اليابانية مبيعاً عام 2007م بدأت في الجوال. هيئة الرواية تعكس أصولها، هي حسب كلام مراسلة يابانية غالباً قصص حب مكتوبة بجمل قصيرة تشبه جمل الرسائل النصية لكنها تحوي فقط القليل من تخطيط الحبكة وبناء الشخصية التي توجد في الروايات التقليدية.
طبعاً مثل هذه الروايات قد لا تتعدى حدود اليابان وهي دولة عرفت بصرعات غريبة كهذه، لكن مع ذلك ترى خطر الإنترنت على الكتاب وعلى التركيز والحدة الذهنية التي يصنعها الكتاب، والذي لا يزال صامداً أمام هجمة الإنترنت الوحشية.