الجزيرة - المحليات:
عصفت وزارة العدل بالتقاليد البيروقراطية الشائعة عن الأجهزة الحكومية، ووظَّفت التقنية في توفير المال والوقت والجهد؛ وذلك باختصار الإجراءات التي كانت تأخذ أشهرًا وأسابيع إلى أيام وساعات محدودة.
وكشفت الوزارة مؤخرًا عن تحوُّل رقمي، هو الأول من نوعه في تاريخها، بإعلانها تقديم خدمات محاكم التنفيذ في البلاد إلكترونيًّا، واستبدلت الشعار البيروقراطي الشهير «راجعنا بكرة» بآخر جديد، هو «ما يحتاج تراجع المحكمة»، وذلك ضمن جهود الوزارة في ترجمة مبادرات التحول الوطني 2020 الخاصة بها إلى واقع ملموس.
وكان معالي وزير العدل رئيس المجلس الأعلى للقضاء الشيخ الدكتور وليد الصمعاني قد توج الأسبوع الماضي التحوُّل الرقمي في محاكم التنفيذ بإعلانه تقديم خدمتَي «التحقق والسداد» إلكترونيًّا، في وقت بدأت فيه المحاكم عمليًّا تطبيق ما أعلنه الوزير بمخاطبة المستفيدين عبر الرسائل القصيرة قائلة «صاحب الهوية رقم... تم إحالة طلب التنفيذ رقم... للدائرة المختصة، وسيتم تنفيذ طلبك دون الحاجة لمراجعة المحكمة».
وقبل أن يمر وقت طويل فوجئ المستفيد برسالة أخرى في اليوم نفسه على هاتفه الجوال الذي قيده في الطلب، تفيد بأنه «تم إصدار قرار قضائي برقم... لصالحك بصفتك طالب تنفيذ. نود منكم تقييم الخدمة على الرابط الآتي...»، وذلك في سياق سلسلة رسائل موجهة إلى طرفَي الدعوى: طالب التنفيذ، والمنفَّذ ضده؛ لتفيد كلاً منهما بما يخصه؛ فتخبر الأول بتحويل المبلغ المطلوب إلى حسابه، وتفيد الثاني (المنفَّذ ضده) بـ»إنهاء طلب التنفيذ رقم... بعد السداد آليًّا»؛ وهو ما يعني إغلاق الملف، وإنهاء كل ما يترتب عليه من إيقاف الخدمات، أو المنع من السفر من دون مراجعة المحكمة المختصة.
وأعلنت الوزارة أنها أجرت دراسة مستفيضة للتحول الجديد في تقديم خدمات التنفيذ إلكترونيًّا، وتوصلت إلى أنه من دون الخطوة التي اتخذتها كانت موازنة الوزارة وخزانة الدولة ستكبد مبالغ طائلة، تتزايد سنويًّا مع ارتفاع طلبات التنفيذ المتصاعد؛ وهو ما سيحوجها إلى توظيف أعداد كبيرة من القضاة والموظفين، لكنها بالحلول التقنية التي بادرت بها الآن ستقلص الكثير من النفقات. يأتي ذلك في وقت توقعت فيه الدراسة أن يتزايد الطلب على محاكم التنفيذ في غضون الأشهر والسنوات المقبلة بوتيرة متسارعة قياسًا بنسبة النمو المنتظم لسندات التنفيذ حاليًا بنسبة 75.3 في المئة سنويًّا.
وأكدت الدراسة أنه باستشراف مستقبل الحلول التقليدية السابقة تبيَّن أنها ستؤدي إلى إشكالات عدة مع الوقت، من بينها «استمرار التأخر وزيادة المدد، ضعف التميز المؤسسي، تصاعد التكاليف المالية، انخفاض رضا المستفيدين وزيادة أعداد القضاة والموظفين»؛ وهو ما جعلها تسارع خطاها نحو التحول الرقمي من أجل تفادي ذلك الخلل.
ومرت رحلة التحول الرقمي في محاكم التنفيذ بمحطات قبل المرحلة الحالية؛ إذ بدأت بـ»الربط مع 20 جهة ذات علاقة بعمل المحاكم، ثم هندسة الإجراءات واختصارها وتطويرها، قبل أن يتم إنجاز مبادرة محكمة بلا ورق عبر أتمتة الإجراءات، إلى أن بلغ التحول ذروته بإنجاز التحقق، وكذا السداد آليًّا أيضًا من دون الحاجة إلى مراجعة المحاكم».
وكان من بين النتائج الكثيرة لهذا الإجراء توفير الوقت على المستفيدين من الأطراف كافة؛ إذ أصبح سداد المبالغ الذي كان يستغرق سابقًا في بعض الحالات 180 يومًا يستغرق بعد التحول الرقمي الجديد 24 ساعة فقط، فضلاً عن استغناء المستفيد عن مراجعة المحكمة مطلقًا؛ وهو ما وفر كثيرًا من الوقت والجهد والمال على المواطن والمستثمر والمقيم، وخصوصًا سكان المناطق غير المركزية البعيدة جغرافيًّا عن مقار المحاكم.