خالد بن حمد المالك
على كل من يزور بغداد أن يتذكر أنه هنا في قطعة أرض من التاريخ؛ لا يمكن أن تتحدث عن ديانة أو مذهب أو لغة إلا وستجد أن العراق كان حفيًّا بها. وحين يكون السؤال عن السينما والمتاحف والموسيقى والشعر والأدب والغناء والمسرح فسوف تكون العراق حاضرة. وعندما يخطر في بال أي أحد منا السؤال الطبيعي عن الفنون التشكيلية والرسم والأدباء والنقاد والشعراء والإشعاعات الفكرية في مختلف حقول المعرفة والعلوم، فلن تغيب العراق عن الذاكرة التي نعرفها عن الرموز من المبدعين في هذه المجالات.. لكن في المشهد السياسي العراقي المعاصر فالأمر مختلف حد الشعور بالإشفاق على العراق؛ فقد تعرضت البلاد إلى نكسات كثيرة منذ الانقلاب العسكري الذي قاده الزعيم عبدالكريم قاسم والعقيد عبدالسلام عارف عام 1958م، وقضى به على النظام الملكي في واحدة من أكثر الانقلابات العسكرية دموية؛ إذ طُلب من الأسرة المالكة ومن كان متواجداً في القصر الملكي الخروج من القصر ليواجهوا الموقف المأساوي بحصدهم جميعًا برشاشات الانقلابيين، ومَن لم يكونوا لحظتها في القصر لوحقوا حيثما وُجدوا فقُتلوا جميعًا.
* *
هذه الصورة القاتمة من تاريخ العراق الدموي امتدت منذ الإطاحة بالنظام الملكي وحتى سقوط نظام صدام حسين؛ فالعراق إذاً إلى جانب نهرَي دجلة والفرات هناك نهر ثالث ولكنه من الدماء، ضحاياه ومصادر دمائه رجالات من العراق أبرياء، ليس من ذنب اقترفوه إلا لمعارضتهم سياسة الأنظمة القمعية التي أوصلت العراق إلى ما وصل إليه من تخلف وتراجع وغياب عن بناء العراق العظيم.. غير أن ما نتمناه - وبحسب ما استمعنا إليه من القادة العراقيين خلال زيارتنا الإعلامية للعراق - أن لا تتكرر أخطاء الماضي، وأن يتعلم العراق الجديد من الممارسات السابقة، ويأخذ منها الدروس والعِبر.. وهذا لن يتأتى إلا بالقضاء على الطائفية والمذهبية والتحزُّب بكل أشكاله، والتعامل مع الجميع على قدم المساواة، وعلى أنهم جميعًا مواطنون؛ لهم ما لهم وعليهم ما عليهم من حقوق في وطنهم العراق.
* *
والعراق -بنظري- لا يزال أمامه تحديات كثيرة، بعضها استمعنا إلى معلومات عنها خلال زيارتنا بشكل مباشر، وأخرى بغير ذلك، لكن في مجملها وأهمها القضاء على تنظيم داعش بالقوة العسكرية، لكن الفكر الداعشي والثقافة الداعشية لم يتم القضاء عليهما بعد، ولن يتم ذلك سريعًا؛ فقد تم في فترة غير قصيرة غسل أدمغة الشباب والشابات في المدارس الداعشية، بالترغيب والترهيب، وبحسب الأهداف والممارسات المرسومة التي اعتقدوا أنها ستقودهم إلى بناء دولتهم الإسلامية. وقد ضللوا وخدعوا الناس بأفكارهم، وجربوا مع من لم يقبل ببيت الطاعة ممارسة القتل معهم بمشاهد دامية، وعرضها من باب التخويف عبر قنوات التلفزة والمنصات الإعلامية الأخرى.
* *
وفي هذه الأجواء التي تجمع بين الحزن على ما آل إليه العراق، والتفاؤل بما يمكن أن يكون عليه في المستقبل، كان أكثر ما يهمنا في الزيارة هو العلاقات السعودية - العراقية المطلوبة في هذه المرحلة، وتمنياتنا بأن يتواصل الاتصال، ويكون التواصل بين الدولتين ذا هدف، تكون نتائجه لصالح الرياض وبغداد، وامتدادًا لصالح دولنا العربية. وقد لاحظنا كمؤشرات ومبادرات جيدة في هذا الشأن أن وزير الخارجية ووزير التجارة السعوديَّين وآخرين من المسؤولين قد زاروا بغداد، وأن وفدًا تجاريًّا سعودياً فعل ذلك أيضًا، وأن المنتخب السعودي لكرة القدم سوف يصل إلى العراق، ويلعب مع المنتخب العراقي - لعب فعلاً في أجواء استقبالية ترحيبية غير معتادة -؛ وكان الهدف من المبادرة حرص المملكة على إعطاء العراق حقه الرياضي بعد أن عُزل بحجة أوضاعه الأمنية غير المستقرة. وقد تُوجت هذه الزيارات بزيارة الوفد الإعلامي عالي المستوى والتمثيل؛ ليكون ضمن هذا الجهد في تحسين العلاقات بين بلدَيْنا، وفي مقابل ذلك فقد زار المملكة رئيسا الجمهورية والنواب ورئيس مجلس الوزراء وعدد من الوزراء العراقيين، مما يظهر جدية التوجه نحو بناء علاقات متميزة بين بلدَيْنا.