د. خيرية السقاف
في سجل الأوطان الإنسان رقم, حين ينزل سطح الأرض يُضاف لتعداد سكانها
وحين ينزل إلى جوفها يُزال من سجلها..
هو مذ صوت شهقته الأولى تعلن عن وجوده يصبح اسماً في بطاقة, وعدداً في سجل, وواحداً في وطن, ونوعاً بشرياً في هوية..
لا يُعرف دون اسم يرمز إليه, ويميزه عن نظيره الذي يحمله آخر سوى معلومات في بطاقة ذات رقم, في قائمة, ذات إشارة توثيق لامتداد ..
الأوطان لا تعرف أفرادها إلا بهذه الخطوات لتوثيق وجوده, بتلك الحروف, والأرقام, والإشارات, والمرجعيات, يجددها في تاريخ, ولا يتجاوزها بنسيان!!..
الأرض الشاسعة التي بسطها الله للحياة بكل كائناتها, ومكنوناتها قسمها البشر,
تنازعوا عليها بالحدود, قيدوا مخاليقها بالقوائم, والهويات..
مع أن تنظيم الأرض البشري لم يقو, ولن يقوى على فضاء الهواء, ولا أجنحة الطيور, ولا اتجاهات الأسماك إلا افتراضاً,
الإنسان لا يقسم الشمس كالثرى, ولا يصد مياه البحور, والمحيطات أن تمتزج..
إن التأمل لحظة في كون الله تعالى الذي بسطه بين أيدي البشر, الذي جعله مجالاً ليسيح فيه الإنسان, والحيوان, والطائر, والماء, والهواء, تعمه الشمس, ويعتليه القمر في آن, يلمه الليل, ويبسطه النهار باعتدال, يجده كيفما يرتبه الإنسان في المتاح له منه, كيفما تشاء له خطة معاشة فوق الأرض, وترتبه منهجية علاقاته بينه, ومن يشاركه الدبيب فوقها من جنسه, وتنظّمه أفكاره من القيود, والحدود, والهويات, والانتماءات..
الإنسان على الأرض بطاقة رقم في سجل ميلاد, وسجل موت, بكل ما يمنحه لنفسه في محتوياته, ويلغيه عنه بموته..
كما الورقة تُبْسط للكتابة, والقراءة, وتُطوى بالحفظ, فالنسيان..
و...
تبقى الشمس واحدة, والقمر واحداً,
فيما الكون يمضي في سرمده بانسياب!!...