د. محمد عبدالله العوين
هل يمكن أن نجعل من الثقافة مصدرا للمال؟!
نعم يمكن ذلك، وهو أمر ليس جديدا في عديد من الدول؛ عربية وعالمية. ففي مصر مثلا يدر المسرح والسينما دخلا كبيرا تتقاسمه الدولة والمنتجون، ومصادر الدخل هم المواطنون وزوار المسارح وقاعات السينما التي تعرض الأفلام الجديدة قبل بثها في محطات التلفزة.
وهو الشأن نفسه في الحفلات الفنية، حيث تصل أسعار التذاكر في حفلات لندن والقاهرة - مثلا - إلى مبالغ مرتفعة جدا؛ وبخاصة في مقاعد الصفوف الأولى.
إذن ثمة ما يحسن أن يخطط له بصورة دقيقة من الأعمال «الفنية» كالمسرح والسينما والحفلات الفنية لتكون مصدر دخل مالي عال مع الالتزام بالمحافظة على شروط الإنتاج التي يحسن أن تحكم الأعمال الفنية وتبعدها عن الإسفاف والابتذال والتهريج وخدش القيم وتصديع مفهومات التربية الأسرية والعائلية، وبخاصة أن النسبة الكبرى التي تحضر عروض المسرح والسينما تنتمي إلى فئة «العوائل» وضمنهم شباب وشابات في سن المراهقة.
وإن من نافلة القول التأكيد على ضرورة الجمع بين الغايتين: الترفيه بحضور الحس الكوميدي والفكرة الرئيسة في العمل الفني التي قد تكون في غالب حالات الإنتاج تميل إلى النقد.
ومن الخير أن نفيد من تجربة المسرح والسينما المصرية؛ بحيث ننأى بأنفسنا عما وقع فيه بعض منتجيها من ابتذال وتهريج ومتاجرة بالجسد.
لكن؛ هل يمكن أن يمتد الشره المالي وعدوى التكسب بأية صناعة إلى النشر العلمي والأدبي والأنشطة الثقافية والمحاضرات ونحوها؟
والجواب السريع: لا.
فلن تحقق الأعمال العلمية والأدبية والنشاطات الجادة البعيدة عن مفهوم «الترفيه» أو الجاذبية الفنية كالطرب والتمثيل أي مردود مادي على الإطلاق.
فماذا نفعل إذا بالإنتاج العلمي والأدبي؟ هل نئده لأن جمهوره قليل؟ أم ندع السوق يحكم عليه بالحياة أو الموت؟!
وهنا لا بد من التوقف قليلا عند مقاصد الإبداع ودور وزارة الثقافة في ذلك، وهو دور مكمل لما تنهض به وزارة التعليم.
ربما لا نختلف في أن من مهمات وزارتي التعليم والثقافة ليس «التكسب» بالمعرفة أو الاتجار بها أو استثمار مخرجات التعليم والثقافة كغاية أولى وأخيرة؛ فثمة غايات ومقاصد ترقى كثيرا وكثيرا جدا فوق اعتبارات التكسب والحصول على المال؛ وهي المحافظة على توازن المجتمع والسعي إلى تنويره ونشر مفهومات الاعتدال والتأكيد على قضايا هي في صلب الأمن الاجتماعي والسياسي والفكري؛ كالوسطية والاعتدال والتسامح بوسائل وأساليب متعددة ومختلفة، ويتحقق هذا بنشر الكتاب الممتاز والندوات أو المحاضرات المهمة والمهرجانات الثقافية الكبيرة، وتلك لا تكسب؛ بل تحتاج إلى تمويل ودعم من الدولة.
لن يكون الإبداع الأدبي سلعة مربحة؛ لكنه مربح جدا في الحفاظ على توازن المجتمع، وشأنه شأن التعليم الذي تنفق عليه الدولة المليارات؛ فلم لا ينفق على الإبداع الأدبي والعلمي ولو فتات المليارات؟!
الأدب الجاد ليس سلعة.