د. فوزية البكر
لايمكن لمخلوق قادم من الفضاء الخارجي أن يتصور أن الناس لم يكن لديهم وكقطعة من أجسادهم هذا الجهاز الصغير الذي تنحني له الرقاب وتحمله الأيدي بحنان زائد وتحركه الأصابع في كل لحظة ويصرخ الطفل والكبير كمن قرصه ثعبان في حال فقده حتى داخل منزل عائلته ويحمل الناس في داخله كل صورهم ولحظاتهم ومحادثاتهم وإيميلاتهم وأرقام أحبائهم وأعدائهم وملاحظاتهم وكل ما يمكن للجسد والنفس والعقل أن يتصوره من استخدامات للجوال فكم من المرات نستخدمه فعلاً في اليوم الواحد ومع من ولماذا نفعل ذلك وما مدى تأثير ذلك على تركيزنا وانفعالاتنا وقدرتنا على التواصل مع غيرنا من البشر بشكل مباشر؟
في دراسة دقيقة أجراها موقع:
https://blog.dscout.com/mobile-touches
تم ابتكار برنامج (أأب) ربط مباشرة بالجوال ومهمته أن يقوم بتسجيل كل لمسة للجهاز يقوم بها المشترك في الدراسة سواء كان تحريكاً للشاشة أو رداً على الرسائل أو الدخول لمواقع أو البحث عن طريق أي برنامج وتم الاختيار العشوائي للعينة من مائة ألف مسجل لدى الشركة وبلغ عددهم 94 فرداً تم ربط أجهزتهم ليل نهار ولمدة خمسة أيام كاملة بهذا البرنامج الذي سجل كل ما يصدر عن الشخص في علاقته بتلفونه ويا للدهشة! فكم تتصورون أننا نمسك أو نمرر أصابعنا على شاشة جوالاتنا كل يوم؟
المستخدم العادي مثلي ومثلك يمرر في الغالب أصابعه (2617) مرة في اليوم الواحد هذا طبعا بخلاف المفرطين في التعامل مع جوالاتهم حيث تجاوزت ملامستهم (5400) مرة في اليوم: خمسة آلاف وأربعمائة استخدام للجوال وأعلاها حين نستيقظ وأقلها بعد عودتنا من العمل متعبين لكن أيضا لا نكف عن استخدام الجوال حتى ونحن في حالة النوم فالدراسة أثبتت أن 50 % من المشتركين استيقظوا على الأقل مرة أو مرتين في الليلة ليتأكدوا من عدم ورود رسائل أو حتى فقط لمعرفة الوقت أو استخدام الجوال كضوء، المهم أنه بجانب كل منّا حين نخلد للنوم؟ هل هذا معقول؟
(لاحظ أن هذه الدراسة تمت في 16 يونيو 2016 وعلى مجتمع غربي والنتائج بلا شك ستكون مختلفة لو أجريت على مجتمعات عربية وسعودية تحديدا وفي هذا الوقت الذي تجد جوالا بين أيدي الرضع وصغار السن فماذا سيحصل لهذا الجيل المفرط في استخداماته الجوالية والبعيد تماما عن الطبيعة والماء واللعب خارج أسوار الحماية الكمبيوترية؟
كيف يمكن أن تؤثر هذه الاستخدامات المفرطة للجوال على تركيزنا وقدرتنا على الفهم المتناسق والكلي للمواضيع أو لنص نقرأه أو لقدرتنا على التفاعل الحي المباشر مع من حولنا؟ لماذا يصاب أطفالنا بنوبات غضب مفاجئة ولماذا لا يستطيعون التركيز على ما نقول أو على ما يحاول المدرس أن يدرسه لهم؟
في بحث آخر بعنوان: هل دمرت الجوالات أجيالاً؟ كتبتها أستاذة علم النفس في جامعة سان ديغو د. جين تونجي ونشرت في أغسطس 2017 التي ركزت على دراسة بيانات سكان الولايات المتحدة منذ عام 1925 من حيث العادات والاتجاهات، حيث ذكرت الباحثة أنها لاحظت ومنذ العام 2012 ظواهر لم تظهر من قبل عند من ولدوا قبل العام 1995 وأهمها الميل للاكتئاب والرغبة في الانتحار كما أن الرغبة في اللقاء الحي بآخرين مقارنة بأجيال سبقتهم تدنت بنسبة 40 %؟.
هم أكثر أماناً لأنهم يجلسون أكثر في المنزل ولذا فهم أقل عرضة لأخطار رفاق السوء أو إصابات الطرق لكنهم أقل قدرة على اتخاذ القرارات لأنهم لا يتعاملون كما السابق مع أحداثهم اليومية بشكل مباشر كما أنهم أقل سعادة من الأجيال التي سبقتهم لأنهم يقضون معظم أوقاتهم مع الشاشة لذا قلت قدرتهم على التعامل مع البشر، حيث وجد أن أيّ تعاملات مع الشاشات تجعلك أقل سعادة! ولاحظ الباحثون أن المراهقين ممن يقضون 3 ساعات فأكثر على الشاشات هم أكثر عرضة للاكتئاب الذي قد يؤدي في بعض الحالات المتطرفة إلى ظهور أفكار انتحارية.
هل يمكن أن يفسر بعض من هذا ما يحدث من جنون استخدام الأسلحة والرغبة في القتل الذي يلاحظ بين مراهقي المدارس الثانوية في أمريكا وخاصة بعد الحادثة الأخيرة التي راح ضحيتها 17 طالباً في ثانوية بولاية فلوريدا وهو ما أدى إلى ظهور حركة نشطة في الولايات المتحدة بين الطلاب واسمها: (أن لا تحدث مرة أخرى).
هل فكرنا بكل صغارنا في مدارسنا الحكومية الذين لا يجدون أي نشاطات مدرسية بعد الساعة الواحدة ظهرا عند عودتهم من مدارسهم واستسلامهم التلقائي لأجهزة الكمبيوتر عدا الجولات في أحضانهم وأسرتهم حيث ينامون؟ هل ستطالهم نفس الظواهر أم أننا سنصرّ أن لنا خصوصية ستحميهم من إدمان الشاشات؟ انتبهوا لأحبتكم.