خالد بن حمد المالك
انشغل ولي العهد الأمير محمد بن سلمان منذ مبايعته ولياً للعهد بالشأن الداخلي، فتوقف عن الزيارات لدول العالم، مكتفياً بلقاء قادتها ومسؤوليها بالمملكة، وكان ترتيب البيت السعودي يتطلب أن يكون ولي العهد إلى جانب الملك في إطلاق المبادرات الإصلاحية، وتحسين الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية، وفي مواجهة التحديات التي تمر بها المنطقة.
* *
قرابة عام كامل مضى دون أن يكون للأمير محمد حضور دولي في الخارج، لكنه لم يغب عن المشهد الدولي بنشاطه وحركته وإنجازاته ولو أنها كانت تتم من داخل المملكة، فإلى جانب اهتمامه بالشأن المحلي، فقد حرص على التواصل مع دول العالم، والتنسيق معها، وضرب مواعيد مع قادتها للاتفاق سياسياً واقتصادياً وأمنياً على ما يعزز مسيرة التعاون معها، ما جعل إنجازاته كبيرة، حتى وإن تمت دون وجود ضرورة إلى زيارته لهذه الدولة أو تلك.
* *
ويحسب لولي العهد أنه تعامل مع توجيهات الملك بالتنفيذ السريع والفوري لها، والجدية في التعامل معها، والحرص على أن تكون نتائجها متناغمة مع الأهداف المرسومة لها، ومتطابقة مع ما وجّه به خادم الحرمين الشريفين، وهو توجيه يتطابق وينسجم مع الفكر الشاب المتميز الذي يتمتع به الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز، فقد لاحظنا تطبيق مجموعة من الإصلاحات في إطار رؤية 2030 التي طالت العديد من الجوانب، وإن كانت المرأة والترفيه ومكافحة الفساد كان لها النصيب الأكبر في ذلك.
* *
الأمير محمد تحرك الآن إلى الخارج، وبدأ زيارته لمصر لكونها دولة مهمة عربياً وإقليمياً، وحيث توجد تفاهمات سابقة معها على التعاون وفق اتفاقيات بدأها الملك سلمان في زيارته الأخيرة لها، وجاء الأمير محمد لإكمال تنفيذ ومراجعة ما كان تم الاتفاق عليه من قبل بين الرياض والقاهرة، ولإضافة مجموعة أخرى جديدة إلى فرص التعاون بين البلدين، تطبيقاً لتفاهمات سابقة ولاحقة، ومتابعة سموه للتنسيق القائم بين الدولتين، وفي ذلك تجسيد للتعاون القائم بينهما، والمضي به إلى الآفاق التي يتطلع إليها كل من الشعبين الشقيقين المصري والسعودي.
* *
والمهم في هذه العلاقات مع تنويع فرص التعاون وشموليتها، وإقدام كل من الرياض والقاهرة لتحقيقها، أنها تتم في أجواء مشجعة من الانسجام في السياسة والنظرة إلى القيمة المضافة التي تدعم علاقتهما التاريخية، دون أن نغفل أن هناك أصوات لا تريد لمثل هذا التعاون أن يقوم، حيث لا يمكن للمتابع أن يتجاهل أن ّهناك طرفاً ثالثاً -مثاله قناة الجزيرة القطرية- يحرص على إفشال مثل هذا التعاون لو استطاع، وأن من يقوم بالرصد لهذه التطورات الإيجابية في العلاقات السعودية المصرية سوف يرى ما لاحظناه من أن أي علاقة سعودية مع أي دولة من دول العالم لا ترضي البعض من الأعداء، أو ممن يصنفون كحاقدين أن تتحقق نجاحات المملكة في علاقاتها الدولية الناجحة مع الآخرين.
* *
ومن تابع زيارة الأمير لمصر، ورأى كيف استقبلته القاهرة على المستوى الرسمي والشعبي،، أدرك أهمية العلاقات الثنائية بين بلدينا، وقدّر حجم تأثيرها الإيجابي على الاستقرار في المنطقة، وهناك إشارات كثيرة تؤكد هذا الاستنتاج، فالرئيس المصري السيسي كسر (البروتوكول) وكان على رأس مستقبلي الأمير ومرافقته في كثير من نشاطاته في القاهرة، وبحث معه الملفات المتعلقة بأمن واستقرار المنطقة ومكافحة الإرهاب، وتنسيق الجهود لتعزيز العمل العربي المشترك، إلى جانب توقيع عدد من الاتفاقيات ومذكرات تفاهم استثمارية.
* *
والأمير أعطى إشارات مهمة خلال زيارته لمصر، عن الوسطية والاعتدال واحترام الأديان، حين التقى بكل من شيخ الأزهر والبابا تواضروس الثاني، حيث أكد أهمية مختلف الأديان والثقافات في تعزيز التسامح ونبذ العنف والتطرف، بما ألجم كل من يدعي غير ذلك بالنسبة للموقف السعودي، وهذه الرسالة هي تأكيد على أن المملكة مع حوار الأديان والثقافات والحضارات، وأن ما يقال غير ذلك، هو من باب التشفي من مكانة المملكة وسياساتها المعتدلة.
(غداً نكتب عن زيارة الأمير لبريطانيا)