حسن اليمني
هذا الأمر ليس حصرا أو خاصية لنا كسعوديين أو عرب أو مسلمين وإنما هي خاصية بشرية ظاهرة في الإنسان تحت أي ثقافة أو معتقد.
أتحدث عن التحايل في الإنسان وخداع الذات، وجميعنا نلاحظ ذلك في الآخرين حولنا وقليل منا يتوقف ليتأمل طبيعة هذه الحالة وتفسيرها، من خلال وسائل التواصل الاجتماعي وخاصة (الواتس اب وتويتر) فإنك تدهش من جمال ومثالية ما يطرحه الآخرون من قيم ومثل ومواعظ ثم تزيد هذه الدهشة حينما تدخل في ممارسة الفعل الحي فيذهلك الفارق الشاسع بين القول سواء كان شفويًا أو مكتوبًا أو حتى مرسومًا بقصيدة أو مقالة أو لوحة فنية وبين الفعل الممارس، مثال لذلك السكينة والدماثة الظاهرة في مجاورك في الصلاة بالمسجد والتجهم والتحاشي الظاهر في نفس الشخص إزاءك خارج المسجد وكأنك تتلاقى وتتفاعل مع الطبع المكاني وليس نفس الشخص وإن كان هو ذات الشخص إلا أن المكان تغير فتبدلت الطباع، وأكثر ما يظهر ذلك لدينا هنا تراه في الاختلاف الهائل في التعامل مع الآخر حين يكون اللقاء وجهًا لوجه وحين يكون اللقاء خلف مقود المركبة في الطريق، فهذا الشخص الجميل بمحياه وابتسامته قبل قليل تحول إلى أسد أو قل عبيط عنيد، كان قبل قليل يقدمك قبله للدخول مع الباب والآن يقدم مقدمة مركبته ليدخل قبلك دون أي اعتبار لأحقية المسار فم الذي طرأ وأحدث هذا التغير السريع؟
في الغرب المتحضر «مادياً» وبما شاهدته فعلياً أدهشني التغير السريع بين الإنسان المتحضر في لقائه معك وسرعة التقاطه لما سقط منك سهوًا وإنكار علمه بابتسامة تخجلك، ويختلف الأمر مثلا في جهة أخرى من العالم حين تجد الاحترام والاهتمام في اللقاء ثم تكتشف أن الأمر خداع، بمعنى أن الإنسان أينما كان وبأي ثقافة أو معتقد مختلف بين الواجهة والاختفاء، يسمي ذلك الطبيب النفساني «سيجموند فرويد» بالتحايل بين الشعور واللا شعور أو الوعي واللا وعي في الإنسان، وفعلا تلاحظ أن الصدق في كلا الحالتين ظاهر وواضح بما ينعكس عليك ويجعلك تمارس نفس الحالة أيضا كأن تشعر بالغضب في داخلك وتظهر الابتسامة في الظاهر، إذ ليس هناك شيء ملموس تستطيع استخدامه لكشف حقيقة فعل نفساني خفي.
هذا هو الطبع الغالب في أغلبية بني الإنسان ما يجعل الأمر طبيعيًا وعامًا يستوجب التعامل معه بالقبول والرضا حتى وأنت تدرك سوؤه إلا أنك أيضا تدرك أن مواجهته خاسرة باعتباره أمرًا خفيًا تشعر به وتلمس أثره لكنك لا تراه إلا من خلال ارتدادك لنفسك فأما أن تخرج من عقلك ورصانتك إلى اللا وعي وتدخل في فوضى مع الآخر أو أن يحكمك إدراكك وسعة وعيك لاحتواء الفعل وإطفاء رد الفعل، فكلما كان العقل غنيًا بالفهم والعلم والثقافة كلما انخفضت نسبة التحايل النفسي في الإنسان وأظهرته أكثر وضوحًا لذاته.
هذا الوضع هو في الحقيقة ما نعايشه في حياتنا اليومية في التعاملات مع الآخرين في المصالح والطريق وحتى في وضعية ركن المركبة في الموقف العام، وحين نرى المثالية في وسائل التواصل الاجتماعي ورغم إدراكنا أنها مجرد محاولات خداع للذات قبل خداع الآخرين إلا أنها وبالتكرار والانتشار أحسب أنها ستنغرس في اللا وعي مع الوقت لتزيد الوطأة على الضمير المختفي أحيانا خلف تحايل لا إرادي لتنقله من اللا وعي إلى الوعي والإدراك.