زكية إبراهيم الحجي
الأسرة هي أسمى وأبدع ثمرات الحضارة الإنسانية.. وهي الأعظم في صقل العقل وتنمية الأخلاق.. والنواة الأساسية التي تؤثر في حياة الأبناء ذكوراً وإناثاً.. والزواج رباط مقدس شرعه الله سبحانه وتعالى لغاية عظيمة ألا وهي الاستقرار النفسي وتوفير جو مناسب لتكوين أسرة متكاملة مترابطة لديها الوعي الفكري والاجتماعي الكافي لبنائها.
نعيش في الألفية الثالثة.. ألفية متميزة في كثير من جوانبها.. تنمية تعليمية اقتصادية واجتماعية.. معرفية ثقافية وإعلامية ومع ذلك ما زالت بعض الموروثات الاجتماعية حاضرة في المجتمع تخبو فترة وتطفو على السطح فترة أخرى حالة من مد وجزر يُشكل قلقاً يهدد سلامة المجتمع نفسياً واجتماعياً.. اقتصادياً وصحياً
ظاهرة زواج القاصرات خاصة تلك التي تتمحور حول ظاهرة زواج الفتاة القاصر من رجل كبير في السن قد يتجاوز عمره عمر والد القاصرة الضحية من أهم القضايا الاجتماعية التي تحتاج إلى جهود مكثفة للحد منها وهذا لا يتسنى إلا من خلال سن قانون رادع يقضي بمحاسبة أي أب يسعى لإجبار ابنته القاصر على الزواج تحت أي ظرف كان.
لك أن تتخيل أيها القارئ الكريم أن تستيقظ فتاة لا يتجاوز عمرها الثانية عشرة من نومها وما يشغلها هو ما يشغل كل من هن في سنها اللعب التنزه وبراءة الطفولة مرتسمة على محياها.. وعلى الجانب الآخر وبدون علمها ترتيبات عرسها ستكتمل ليلا.. الصغيرة أصبحت عروساً وسيتم زفافها.. مشهد يتكرر في المجتمع وعلى فترات متفاوتة خاصة في مناطق نائية حيث التشبث بالموروث الاجتماعي الذي نشأ عليه الآباء والأجداد دون وعي بمدى خطورته على كل فتاة قاصر نفسياً وصحياً واجتماعياً عدا حرمان من مواصلة التعليم.. قاصر لم تعط فرصة كافية لتنضج عاطفياً وجسدياً.. عقلياً واجتماعياً.. قاصر لم يتح لها مجال تطوير مهاراتها وتنمية إمكاناتها واكتشاف ذاتها ومعرفة مدى قدرتها على تحمل المسؤولية الأسرية.. قاصرة وأسيرة وضع لم تتنبأ به طوقها حين غفلة.
إن النظرة التقليدية المتوارثة التي ترى في زواج القاصرات ضرورة لا بد منها ما زالت مرتبطة بقناعة لدى البعض مفادها أن الزواج ضمان لعفتها دون الاكتراث لأبعاد وتأثيرات العلاقات الإنسانية غير المتكافئة فضلاً عن المخاطر الناجمة عن الزواج في مثل هذا العمر على الفتاة ذاتها من مختلف النواحي كما ذكرت في البداية وهذه بدورها ستترك أثراً سلبياً على سير حركة التنمية الاجتماعية خصوصاً أن المرأة تمثل نصف المجتمع وتشكل عنصراً فاعلاً في التنمية الشاملة للمجتمع كونها من الموارد البشرية التي يُعتمد عليها.
في ضوء الواقع الذي نشهده على فترات متباينة أقول لبعض الآباء لا بد من التخلي عن الاعتقاد الخاطئ الذي يشير بأن لا مستقبل للقاصر خارج الزواج.. هذا الاعتقاد يقتضي وضع استراتيجية متكاملة تجمع بين حملات توعية شاملة مع التركيز على الأوساط المستهدفة لشرح الأضرار والمخاطر المترتبة جراء زواج القاصرات مع ضرورة سن قوانين اجتماعية رادعة لحماية القاصرات.