محمد آل الشيخ
الزيارة الرسمية التي يقوم بها الأمير محمد بن سلمان ولي العهد لمصر هي زيارة تحمل كثيراً من التوجهات الجديدة، والجادة، لمواجهة المستجدات الإقليمية التي تواجه المنطقة، ولعل أهمها زيارة الكاتدرائية المصرية لمسيحيي المشرق في القاهرة، وهي زيارة تاريخية بكل ما تحمله الكلمة من معنى، وتحمل كثيراً من المؤشرات الإيجابية، والتي تشير إلى المنهج المتسامح، والوسطي الجديد للسياسة السعودية الجديدة. هذه الخطوة أعطت انطباعا متسامحا لصورة الدبلوماسية السعودية في عصرنا هذا، والتي تثبت أن (المملكة) الجديدة تعمل بالفعل إلى أنها تسعى إلى تفريغ الشحنات والمناكفات الطائفية، التي صبغت فترة الأربعة عقود الماضية، وهي الفترة التي سيطرت فيها الصحوة على الخطاب الثقافي العربي، وأفرزت كثيرا من الصراعات الدموية الطائفية، وكذلك المذهبية بين مواطني دول المنطقة، حسب طوائفهم ومذاهبهم بالشكل والمضمون الذي يقف بقوة ضد دعاة الكراهية، التي أنتجت في النهاية (التطرف الديني)، وهو ما أفرز في النهاية الإرهاب.
وليس لدي أدنى شك أن المراقبين والمحللين قد اتضح لهم الآن أن المملكة الجديدة تحمل مشروعا ثقافيا جديدا، من شأنه أن يسهم في التفاهم والتآخي بين شعوب المنطقة، وإحلال الحوار بين الأديان بدلا من الصراعات والتطاحن الطائفي والمذهبي، الذي ذاقت منه شعوب المنطقة أشد وأقسى المعاناة على مختلف طوائفهم وأديانهم.
الغربيون بالذات يدركون كم هي سلبية وخطر تلك التوجهات التي تعامل الآخرين على أساس ديني أو مذهبي، لأنهم ذاقوا ويلاتها في القرون الوسطى، ولم يصلوا إلى ما وصلوا إليه من الأمن والاستقرار، وكذلك التطور الحضاري في كافة المجالات، إلا بعد أن تعايشوا في مجتمع واحد على أساس (الدين لله والوطن لجميع ساكنيه بمختلف أديانهم ومذاهبهم).
ونحن في هذا الجزء الملتهب من العالم، وغير المستقر، لا يمكن لنا إلا أن نكون جزءا من العالم، وأن نتعايش مع الآخرين بنفس المنطق والفلسفة التي وصلوا إليها، وإلا فإننا سنبقى نتخاصم ونتقاتل إلى أبد الآبدين.
ومن يرصد ويتابع توجهات أميرنا الشاب، والمتحضر، فلن تخطئ عينه أنه يعمل وفق تصور واضح، ويسعى بمنتهى الشجاعة والإقدام، إلى تحقيق أهداف، وغايات واضحة، وضعها نصب عينيه، وسعى إلى تحقيقها بكل عزيمة وإصرار. والأمير محمد يدرك ما يفعل، ويعلم يقينا أن المنطقة، وشعوب المنطقة، لا يمكن أن تستأصل بواعث ثقافة الكراهية إلا بالأخوة، والتعاون، والتعاضد بين شعوبها، واجتثاث كل ما من شأنه أن يعكر أو يؤجج ثقافة الكراهية، ومؤداها أن تعيش أنت بقناعاتك، ودع الآخرين يعيشون بقناعاتهم، وأن تنتهي حريتك حينما تبدأ حرية الآخرين.
كما أن الأمير محمد على ما يبدو يدرك تماما أن الشعوب الجائعة والفقيرة، والمتعثر اقتصادها، لا يمكن أن تستقر، لذلك أولى للاقتصاد وما يثري هذا الاقتصاد جُل اهتماماته من منطلق أن الشعوب التي يتفشى فيها الفقر والعوز وترتفع فيها معدلات الأمية، ستكون مرتعا خصبا للفساد الديني والمالي، وهذا ما يجب أن يتحقق ليس على مستوى كل دولة بمفردها، وإنما بالتعاون بين الدول، ودعم بعضها بعضا، وهذه النقطة بالذات هي ما تجلت بوضوح في قناعته بتنمية علاقات التعاون والتآزر والتعاضد بين المملكة ومصر كأهم دولتين محوريتين في المنطقة.
لا أخفي شعوري المتفائل بهذه الزيارة التاريخية لولي العهد، وأنا على يقين أن هذه الزيارة سيكون لها انعكاسات ايجابية على إلحاق المنطقة، وليس فقط المملكة ومصر بدول العالم المتطور والمستقر.
إلى اللقاء