د.سالم الكتبي
لم يعد ما يحدث في المملكة العربية السعودية الشقيقة بشأن مكافحة الفساد، سراً، كما يزعم البعض؛ فقد تحدث الأمير محمد بن سلمان ولي العهد السعودي مؤخراً مع الكاتب الأمريكي ديفيد اجاتيوس في صحيفة «واشنطن بوست» كاشفاً كل ما يحدث بدقة شديدة، موضحاً وجهة نظره للعالم أجمع.
قال سموه إن الموجة الجديدة من الإصلاحات في السعودية وحملته ضد الفساد بأنها جزء من العلاج بـ»الصدمة» الذي يُعد ضرورياً لتطوير الحياة الثقافية والسياسية في المملكة وكبح التطرف.
كما كشف عن رؤية واعية للأوضاع، ولم يحاول سموه التعتيم، حيث قال إن يكون لديك جسد مصاب بالسرطان في كل أعضائه، سرطان الفساد، عليك استخدام العلاج الكيمياوي، وإلا فإن السرطان سيلتهم الجسم».
وأضاف «إن المملكة لن تتمكن من تحقيق أهداف الميزانية دون وضع حد لهذا النهب»، وبدا من الواضح أنه يرصد مظاهر الفساد منذ سنوات شبابه الأولى، معتبراً أن الفساد قد «أضر بقدرة العائلة المالكة».
بدا واضحاً أيضاً أن ولي العهد الطموح يمتلك رؤية استراتيجية واضحة للعلاج، فهو يهدف إلى تنمية المملكة والتصدي لأعدائها، مثل إيران، ويستهدف شريحة الطموحين من أبناء المملكة، مشيراً إلى أن التغيير يستلزم شمول قطاع كبير بالتغيير مع الحفاظ على وتيرة وايقاع سريع لهذا التغيير، الذي يهدف إلى «عصرنة» المملكة.
من الواضح أن هناك تخطيط دقيق لكل ما نشهده جميعاً في المملكة، وأن هذا التخطيط قد بدأ منذ سنوات، وليس هناك شيء مفاجئ كما يعتقد الكثيرون، فما يحدث على سبيل المثال على صعيد التغيير في وزارة الدفاع السعودية هو عبارة عن «جهود لتوظيف الأشخاص أصحاب الطاقة العالية» من أجل الحصول على نتائج أفضل للإنفاق السعودي في مجال الدفاع.
هذه الرؤية الإستراتيجية الواعية لمستقبل المملكة تعد ضمانة أساسية لنجاح التغيير، فالعلاج بالصدمة، كما أسماه، سمو ولي العهد السعودي، هو السبيل للنجاح حتى وإن اختلف البعض، لسبب بسيط هو أن «أهل مكة أدرى بشعابها» وطالما أن ولي العهد السعودي يراقب ويرصد مظاهر الفساد منذ سنوات طويلة فهو بالتأكيد قد تدارس سبل وآليات العلاج الناجعة مع استشراء الداء، والكفيلة بالقضاء عليه رغم تغلغله في قطاعات كثيرة.
على الجميع أن يتفهم ما يحدث في المملكة الشقيقة في إطار هذه الرؤية، وفي إطار ضخامة الأهداف الخاصة بعصرنة البلاد، فالهدف كان يتطلب منذ البداية تفكير خارج الصندوق تفادياً لأمور كثيرة كان يمكن أن تعوق فرص النجاح أو تحد منه، على الأقل، وبالتالي فالعلاج تحدد بناء على واقع خضع للفحص والدراسة سنوات طويلة
«عصرنة» المملكة تعني للمنطقة والعالم الكثير، فالسعودية قوة إقليمية جبارة، اقتصادياً وسياسياً وعسكرياً، وبنهضتها والتوظيف الجيد لمكامن قوتها الشاملة يعني الكثير على صعيد توازنات القوى الإقليمية إستراتيجياً، كما يعني الكثير في حسابات الأمن القومي الخليجي والعربي على حد سواء.
ولأن أعداء المملكة ودول مجلس التعاون يدركون ما سبق، فهم يحاولون عرقلة مسيرة التطوير والتحديث السعودية بشتى الطرق، ولكن كل هذه المحاولات لن تفلح، سواء لأن هناك رؤية واضحة للتطوير، أو لأن الأمير محمد بن سلمان، يستند بالأساس إلى عنصر بالغ الأهمية، يتمثل في شعبيته الهائلة لدى الشعب السعودي، المتعطش ليرى بلاده في مكانها على خارطة دول العالم المتقدمة.
وأعداء السعودية يدركون هذه الحقائق ويشعرون بقلق بالغ لأن خططهم التوسعية قد أجهضت بالفعل في مناطق ودول عدة لأن السعودية لم تعد تكتفي بموقف المتفرج على مايدور من حولها، بل تتخذ من تحالفها من دول شقيقة، في مقدمتها دولة الإمارات، ركيزة تحافظ على الأمن الوطني لدول وشعوب مجلس التعاون، وتحول دون تغول القوى التوسعية الإقليمية مثل إيران في شؤون المنطقة.
تستحق رؤية الأمير محمد بن سلمان ولي العهد السعودي كل التقدير والاحترام، لأنها تعبر عن طموح ملايين الشباب والشابات السعودية، وتنطق بصوت هؤلاء وتجسد أحلامهم في مستقبل أفضل للمملكة.