عروبة المنيف
تعتبر المعالم الحضارية هدايا قيمة يقدمها الوطن لأبنائه المواطنين، فالحرص على الهدية والحفاظ عليها دليل على حب وتقدير المانح، ويبلغ تقدير الوطن والفخر به في نفوس المواطنين مداه بعد كل إنجاز أو حدث وطني، واحترام أي إنجازات وطنية يتطلب عزيمة من قبل الوطن والمواطنين، العزيمة التي ترفع من مستوى التنسيق بينهما لمنع وقوع أي انتهاك أو تشويه لأي منجز أو معلم حضاري وطني لأنه منا وهو لنا.
شاء الله أن أكون أحد ركاب «قطار سار» منذ أيام، ذلك المعلم الحضاري الذي افتتح منذ سنة ويربط الرياض مع ستة محطات رئيسة (الرياض - المجمعة - القصيم - حائل - الجوف - القريات)، ويبلغ طوله 1250كم، ولقد سمعت عن ذلك القطار ممن جربوه وأثنوا عليه منذ افتتاحه، ولكن كانت تجربتي في استخدامه تأكيداً لمقولة «التجربة خير برهان»، ولا أخفيكم بأن تلك التجربة قد أبهرتني، وشعرت خلالها بمشاعر متضاربة ما بين الفرح والقلق، فقد سبق لي أن جربت ركوب قطارات في العديد من دول الاتحاد الأوروبي وبريطانيا وأمريكا، ولكنها بأمانة لم تكن بروعة تجربة ركوب «قطار سار» الذي يفوق الوصف الذي طرق مسامعي، فوجدته منجزاً ومعلماً حضارياً يحق لنا الفخر والاعتزاز بروعته وخدماته التي يقدمها بلا منافس عالمي.
في الوقت الذي كنت فيه بالمقصورة و»سار» يسير، بدأت أتذكر طريق الرياض - القصيم البري، الذي كنا نقطعه برفقة العائلة لزيارة الأهل، وتذكرت كيف كان الطريق عبئاً ثقيلاً علينا جميعاً حيث ضيق السيارة وطول الطريق. وبصراحة استفزتني تلك المشاعر بينما أنا مستمتعة بالراحة في المقصورة حيث حرية الحركة وتميز الخدمة المقدمة من قبل الطاقم بما يضاهي خدمة الخمس نجوم من حيث النظافة والجودة وهندام الطاقم وأسلوبهم واحترامهم للركاب، سواء كان ذلك في المحطات أو في داخل المقصورات. ولا أنكر شعور الغيرة الذي انتابني خلال تلك الرحلة وحسرتي على تلك الأيام التي كانت من دون «سار»!، ولكن تنبهت على الفور بأن غيرتي هي غيرة صحية، غيرة على منجزات الوطن ومعالمه والخوف عليها من الإهمال والتلف، لتبدأ مرحلة القلق لدي بخصوص مفهوم المسؤولية الجماعية والحس الوطني لدينا، تلك المفاهيم التي ليس من السهولة غرسها في مجال الوعي العام من دون فرض قوانين تهدف للرفع من مستوى الذوق العام من أجل احترام المعالم والإنجازات الوطنية، وبتهذيب الذوق العام وصقله يرتفع تباعاً الحس الوطني والمسؤولية الاجتماعية، وذلك يعتبر مطلباً مستقبلياً لحماية المنجزات الوطنية والحفاظ عليها من التخريب الجائر والإهمال. وتحضرني الحدائق العامة الفتية البديعة عند تدشينها، لتصبح بعد فترة تعاني من الهرم بسبب من لا يؤمنون بذوق ولا بمسؤولية ولا بحس وطني.
إن فرحتي بالقطار «سار» كمنجز حضاري أسهم في تغلغل الخوف والقلق في نفسي عليه وكأنه طفل وليد أريد له البقاء والحماية فلا يتعرض للإهمال والاستخدام الجائر، فالوطنية الحقة هي الغيرة على المنجزات والمعالم الحضارية الوطنية وحمايتها من كل أذى قد تتعرض له، فالأوطان ترتقي بالاحترام وتهذب بارتقاء الذوق العام.