م.عبدالمحسن بن عبدالله الماضي
1. في المجتمعات غير المتمدنة يطغي البعد الطائفي (مذهبي أو قبلي) على السياسة.. ذلك أن إحدى الوسائل المؤثّرة لترسيخ الطائفية بامتياز هي إشعال فتيل التشدد الديني وإيقاظ التعصب القبلي.. فلا شيء يؤثّر على العامة مثل الادعاء بأن هذا هو ما يريده الله تعالى وليس ما يريده السياسي.. ولا شيء يثير العامة أكثر من إيقاظ الثارات القديمة والنعرات القبلية.
2. المشكلة في طغيان البعد الطائفي على السياسة أنه يقوّض بناء المجتمع المدني الحقيقي بمؤسساته.. وبالتالي يؤدي إلى تدمير جهود النهضة وإجهاض أي محاولة للتحول إلى الديمقراطية.. فهيمنة البعد الطائفي على السياسة تسهم في إحياء النزاعات المجتمعية وتوقظ الثارات التاريخية على كافة المستويات المذهبية والقبلية والفكرية.. وتحول المجتمع إلى مصفوفة من التحزبات المتناحرة.
3. الاختلافات الطائفية في المجتمعات المتخلفة لا تعد تنوعاً وثراء، بل مواجهة ومنافسة.. فتسقط بذلك إمكانية التعاون والتكامل لبناء وطن واحد.. فصراعات السياسة ذات البعد الطائفي ليست صراعات نخب المجتمع، بل صراعات عامة المجتمع.. لذلك فالأطراف المستفيدة أقلية جداً.. مقارنة بالضحايا الذين يكونون الأكثرية.
4. أكبر مشكلة تواجهها المجتمعات ذات النزعة الطائفية هي تسيد الأكثرية على الأقلية وإلغاء حقوقها.. مما يحول تلك الأقلية إلى طابور مناوئ على استعداد للتحالف مع الشيطان للانعتاق من إسار تحكم الأكثرية.. فلم تعد في هذه الحالة المصلحة العامة هي المهيمن على القرار السياسي، بل مصلحة الطائفة دائماً.
5. أما أخطر ما في البعد الطائفي في السياسة فهو أنه يتم من خلاله نقض النسيج الاجتماعي والإخلال بالتوازن المجتمعي.. مما يحدث الشعور بعدم المساواة والعدل والإحساس بالظلم.. وهو ما يوفر البيئة الصالحة لنمو بذور الشقاق والخلافات.. ومن ثم حصد ما تم بذره بحرب أهلية تؤدي إلى تقسيمات عرقية وهدم للهوية الوطنية وتجهيزها للتفتت وإغراء القوى الخارجية بالتدخل.
6. الثابت أن الانتقال إلى الحداثة يستدعي التحول المجتمعي إلى المدنية بكل توجهاتها من تهميش للقبائلية ومكافحة للمذهبية.. كما يستدعي التحول السياسي وذلك بإشاعة الفكر الديموقراطي في كل مناحي المجتمع التنظيمية والتشريعية.. وإشاعة حرية الاختيار في إطار مظلة من المؤسسات المدنية.