د. عبدالحق عزوزي
مع اقتراب الذكرى السابعة للحرب الضروس في سوريا، أورد المرصد السوري لحقوق الإنسان حصيلة جديدة لضحايا النزاع الذي أتى على الأخضر واليابس، أشار فيها إلى مقتل أكثر من 350 ألف شخص منذ منتصف مارس/ آذار 2011. وأوضح المرصد أن من بين الضحايا هناك أكثر من 106 آلاف مدني بينهم 19 ألف طفل؛ ناهيك عما أحدثه النزاع السوري من دمار هائل في البنى التحتية وأدى إلى نزوح أكثر من نصف السكان داخل البلاد وخارجها.
أما التنازلات الروسية والسورية المتعلقة بمساعي وقف إطلاق النار في البلاد فهي مجرد حلم بعد أكثر من أسبوعين على قرار أممي حث أطراف النزاع على احترام هدنة لشهر.
ما يجري في سوريا يستحي التاريخ من تسجيله في صفحاته، لأن الدماء التي تراق في البلاد كانت لتوقف لولا عدم وجود منظمة دولية ضعيفة من قبيل الأمم المتحدة التي أراد المنشئون لميثاقها بعد نهاية الحرب العالمية الثانية أن تكون منصة عالمية للسلم وتتدخل بناء على قواعد دقيقة لتثبيت السلم والسلام والأمن والأمان في كل أنحاء المعمور؛ ولكن هيهات هيهات. فطبيعة الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن والتطاحنات الاستراتيجية والمصالح الآنية الدائمة تجعلنا دائما في مسرحية أو كارنفال عقيم أبطالها قوى دائمة تتوفر على حق النقض، واتفقت على ألا تتفق أبدا، وحتى إذا اتفقت فذلك يبقى حبراً على ورق...
إن إصلاح الأمم المتحدة من المواضيع الحساسة والصعبة، فالدول الخمس الكبرى تتوفر على حق النقض «الفيتو» الذي يمكن أن تستعمله متى تشاء وحسب معاييرها الاستراتيجية الخاصة بها بل وفي بعض الأحيان حسب مزاجها الدبلوماسي الخاص. وبعد سنة 1945 حصلت تطورات جيوستراتيجية متعددة يمكن أن تكتب في الآلاف من كتب التاريخ وكتب العلاقات الدولية دون أن يصاحب ذلك أي تطور أو إصلاح ملموس لميثاق الأمم المتحدة.
إصلاح الأمم المتحدة هو شيء ضروري ولكن يبقى رهينا برغبة الدول الثلاث الكبرى: الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا والصين، فهاته الدول مجتمعة ستظل الركائز الأساسية لأية رغبة في الإصلاح، كما أنه يبقى رهينا بالرغبة المشتركة لدول الجنوب واجتماعها على البلدان التي يمكن أن تمثلها بصفة دائمة داخل مجلس الأمن. الحكامة الدولية صعبة الممارسة والتطبيق والتأصيل ولكن تطويرها أمر لا مفر منه، والأمم المتحدة رغم ما يمكن أن يكتب أو يقال هو المكان الوحيد لتفعيل هاته الحكامة الدولية.
عندما ألقى الأمين العام السابق للأمم المتحدة «بان كي مون» كلمة الوداع في الجمعية العامة للأمم المتحدة، اعتبر نفسه كفلاً للأمم المتحدة وشدد على قوة التعاون الدولي في مواجهة التحديات الملحة، مسلطًا الضوء على خطة 2030 للتنمية المستدامة، واتفاقية باريس حول تغير المناخ، باعتبارهما من إنجازاته خلال فترة العشر سنوات التي تولى فيها منصب الأمين العام للأمم المتحدة.... وأياً كان طفلاً أو أباً للأمم المتحدة فإن معايير اشتغاله كأمين عام للأمم المتحدة لم تسعفه في تجسيد دور الأمم المتحدة الأول وهو تحقيق السلم في العالم، خاصة وما تملكه من آليات لا يعلى عليها لتحريك عجلة التدخلات لإرغام مرتكبي الحماقات وجرائم الحرب ضد البشرية من التوقف وتقديمهم للمحاكمة... الصور التي تأتينا على قنوات التلفزات العالمية من داخل سوريا تبكي كل القلوب ولا يمكن وصفها، فهي بشعة ولا إنسانية ولو كان للأمم المتحدة مثقال ذرة من الإنسانية لما وصل بشار ببلده إلى هاته المرحلة حيث جاس خلال الديار ورحل أكثر من نصف شعبه، ولله الأمر من قبل ومن بعد. ولا يجب أن ننسى أن ما اعتبره الأمين العام للأمم المتحدة من إنجازاته، كالاتفاقية العالمية للمناخ، يبقى رهينا برغبة الدول العظمى، وها نحن نرى كيف أن الرئيس الأمريكي يتنصل من الاتفاقية ويقبر بنودا من أعظم البنود التي كتبت لمصلحة الإنسان والدواب والشجر....
لا الأمين العام السابق ولا أسلافه، ولا الأمين العام الحالي كان بإمكانهم أو بإمكانهم إصلاح مجلس الأمن ولا التأصيل للأدوار الجديدة وميكازمات أخذ القرارات التي يمكن تبنيها لاحقا لدمقرطة العمل الأممي.. فجميعهم يعرفون عملهم والخطوط الحمراء التي رسمتها القوى الدولية لعمل الأمين العام وللمنظمة بأسرها... الإصلاح صعب وما يجري في العالم من أحداث درامية يكون علاجها بين القوى العظمى خارج الأمم المتحدة، وليس داخل هاته المنظمة، هاته هي الحقيقة المرة.