علي الخزيم
إذا كان الغيورون يجتهدون لاحتواء الفتيان والشباب من مُضلات الفتن والانحرافات المُخلة بالعقيدة والأخلاق؛ فان ضمن مهامهم حراسة مخزونهم المَعْرفي وتصحيح ما قد يطرأ على فهم بعضهم فيما يتعلق بسيرة الرسول المصطفى وصحابته الكرام، وكذلك تفسير بعض آيات بالقرآن الكريم قد يلتبس فهمها على الناشئة ـ لا سيما بالمدارس - نتيجة تدوين منقوص أو تَصَدُّر غير المؤهلين لهذه المسائل الهامة، فيخرج جيل غير متيقن مما درسه أو متشكك مما تلقاه من معلومات، ومع توسع مداركه وتراكم معارفه بالمراحل اللاحقة يكون أكثر استعدادا للتأمل والتفكُّر؛ وقد يشطح به فكره إلى ما لا يصح ولا ترضاه الشريعة السمحة، فمما لاحظته بمراحل دراسية ان الطالب النبيه اذا قام يسأل معلمه عن مسألة وكان المعلم محدود الفهم بها؛ يأخذ بالتحويم دون إجابة شافية، فإن أعاد الطالب التساؤل نتيجة عدم القناعة، يسارع ذاك المعلم لنعته بالمجادل وينهي الحوار! والأمثلة كثيرة مثيرة.
وأجد أنه يلزم أن يتصدر أهل الفقه ممن تمرسوا وأدركوا واقع الامة لتبيان ما يختلج بوجدان وصدور الشباب من مسائل صعب واشتبه عليهم فهمها حتى لا ينغمسوا بجدالات وحوارات قد تُفْضي بهم الى مآلات محفوفة بالمخاطر الفكرية، ولعلي أقترح على جهات الاختصاص الرسمية والتطوعية المؤهلة ان تفتح قنوات اتصال الكترونية تدوينية للإجابة على مثل هذه التساؤلات، وتختار لهذه القضية نخبة واعية مدركة لأبعاد مهمتها؛ ليس فيهم من يحيل المسألة الى قول منقول مجرد من الإضافات التنويرية الفقهية التي تبسط المسائل وتوضحها للسائلين، فلا يكفي ان نقول: (كما قال فلان في كتابه نقلاً عن فلان)، فهذا تكرار لمنقولات تزيدهم تيهاً، وقد مررت بتجربة البحث عن تفسيرات لآية كريمة وقرأت بعدة كتب فمن العجيب أني وجدت بعضهم ينقل من البعض الآخر حتى ان بيتاً من الشعر ورد كاستشهاد تكرر بأكثر من ثمانية كتب وسئمت من قراءة المكرر، ووجدت ضالتي بتفسير مُفَسِّر عربي مغاربي فقيه عارف بفقه الواقع، فالعلم ليس محصوراً بالنقل والنسخ.
حسناً؛ سيقول أحدهم اضرب لنا مثلاً على هذه المسائل التي تخشى على الفتيان اساءة فهمها، فأقول: باختصار شديد قصة نبينا المصطفى حين خرج من منزله في غير وقت خروجه، فلقيه الصديق، ثم عمر بذات الوقت، وكان الرابط بين خروجهم هو شعورهم بالجوع وهم أصحاب المكانة العليا بدولة الإسلام، ثم رأى رسول الهدى ان ينطلقوا إلى منزل أبي الهيثم بن التيهان الأنصاري المعروف بكثرة النخل والشياه، الى نهاية القصة (الترمذي عن أبو هريرة)، وكذلك قول السيدة عائشة انه تمضي الشهور ولم يوقد بمنزل رسول الله ناراً، فكيف نفسر لهم اتساق هذه الروايات مع أهمية الاحتياطات للأهل والظروف الطارئة؟!
وقصص تسميم الصديق أبا بكر واغتيال الخلفاء عمر وعثمان وعلي؛ بالتوالي دون أخذ أهل العقد والشأن احتياطات أمنية.
إذا كانت مثل هذه السِّيَر تُدرَّس بالمدارس دون تخريج وتفصيلات توضيحية للصغار والفتيان عن الملابسات والظروف المحيطة، فإن قادم الاستفهامات أكثر!