قاسم حول
في دورته الثانية كرم مهرجان «شرم الشيخ» السينمائي عدداً من السينمائيين المصريين وفي المقدمة منهم الناقد السينمائي المصري «علي أبو شادي» إضافة إلى الممثلة «ليلى علوي، والممثلة ليلى طاهر والمخرج علي بدرخان، والممثل حسن حسني، والمخرج يوسف شاهين» وقد وصف المهرجان الناقد علي أبو شادي بالقلم الثائر ووصف المخرج يوسف شاهين بالغائب الحاضر.
شكل غياب الناقد السينمائي علي أبو شادي المبكر عن الوسط السينمائي خسارة كبيرة لحرية التعبير السينمائية فهو إضافة إلى اهتماماته في كتابة النقد السينمائي وما اتسم به من موضوعية وحرفية عالية، فإنه كان بحكم وظيفته الرقابية الحكم الذي يلجأ إليه السينمائيون حين يحتدم الخلاف الاجتماعي والأدبي وترتفع أصوات الاحتجاجات على هذا الفيلم أو ذاك أو هذه الرواية أو تلك.
لقد أجريت حوارا مصوراً مع العين الرقابية للسينما وهو الكاتب وصاحب الرأي الثاقب في تقييم الفيلم السينمائي وهو الذي لم يختلف عليه اثنان في قراءته للفيلم السينمائي أو للرواية الأدبية، ولم يعترض السينمائيون على رأيه فهو يشكل الحلقة العاقلة بين رقابة الدولة والرقابة الاجتماعية وبين حرية التعبير المسؤولة التي تأخذ بعين الاعتبار كل مشاعر المؤسسات الاجتماعية والدينية، وتعتمده الدولة عينا يحبها ويحترمها السينمائيون وتحترمها المؤسسات الاجتماعية.
عندما نقول أن غياب علي أبو شادي عن الوسط السينمائي يشكل خسارة ثقافية لمصر فإن ذلك يعني الخسارة بكل معنى الكلمة إذ من الصعب أن تجد البديل الذي يتفق عليه الجميع ويلجأ إليه الجميع، وقد تحدث لي في اللقاء المصور الذي أجريته معه قبل سنوات والذي سأضعه ضمن برنامج السينما حلم الواقع، تحدث لي بإسهاب عن صعوبة معاناته في حسم الخلاف بين المختلفين بأقل الخسارات. السينمائي يعتقد ويريد حرية مطلقة للتعبير عن الواقع، والدولة لا تريد للسينما أن تتجاوز العادات والتقاليد وتظهر كل مشاكل المجتمع على الشاشة، بضمنها الإحراجات الدينية التي قد يراها السينمائي بأن كشف الخلل هو إشارة إلى عدم قراءة الفهم الديني للحياة قراءة موضوعية من قبل المؤسسات الدينية.
علي أبو شادي احترمته المؤسسة الدينية، واحترمه قادة الأزهر الشريف، واحترمته الدولة وأخذت بآرائه، وفي ذات الوقت أحبه السينمائيون لأنه يشكل العين الرقابية الملائمة، ودائما لديه الحلول في التسويات التي لا تعمق الخلافات بين المختلفين.
رقابة سينمائية وأدبية تمثل الثقافة في الدولة وتمثل الدولة في الثقافة هو علي أبو شادي، فيأتي تكريمه من قبل مهرجان «شرم الشيخ السينمائي» في مكانه ولمكانته في تاريخ السينما المصرية . أنا شخصيا حزنت حزنا شديداً على غياب الناقد المفكر والإنسان، فهو الصديق الذي تعرفت عليه من خلال السينمائية الراحلة «نبيهة لطفي» ومن خلال المونتير السينمائي الراحل «أحمد متولي» فصرنا مجموعة من السينمائيين العرب نبحث في مشاكل السينما العربية ومن بينها بل وفي المقدمة منها «حرية التعبير السينمائي» الذي شكل الرأي الواعي في العلاقة بين الحرية والعادات والتقاليد والقيم التي يعيشها المجتمع .. وكان أول من نبه على أهمية فيلمي المعنون بـ «تراثنا الجميل» حيث كتب عنه بحثا بعد أن شاهده في ليبيا .. شكرا لمهرجان شرم الشيخ في تكريم هذه العين السينمائية في الكتابة والموضوعية .. آخر أيامه حدثتني الناقدة والكاتبة السينمائية «صفاء الليثي» أنه وبعد أن أجرى عملية «القلب المفتوح» أحس بالرحيل والوحدة والغربة وشعر بنهاية الفيلم السينمائي الذي يعيشه الإنسان .. علي أبو شادي الكاتب والناقد والإنسان .. خسارة الثقافة وخسارة المثقفين وليس من السهل أن نجد البديل، لأنه علي أبو شادي، الرقيب السينمائي العادل في تاريخ الثقافة المصرية وبالذات الثقافة السينمائية!