د. عبدالحفيظ عبدالرحيم محبوب
اطلعت على نقاش جرى في مجلس الشورى حول توطين اليد العاملة السعودية نشرته صحيفة الاقتصادية في 6 - 3 - 2018 توقفت كثيراً على نقاشات أعضاء مجلس الشورى حول توطين الوظائف وانتقادهم لوزارة العمل، وكانت تلك النقاشات والانتقادات غير مصحوبة بدراسات مقدمة أو تعتمد على تقصٍ دقيق حتى تتمكن من نقد إجراءات وزارة العمل التي تتبناها، لكن كانت جميع تلك النقاشات لا تختلف كثيراً عن المقالات المنشورة على صفحات الجرائد بل قد تكون بعض هذه المقالات نقاشاتها أعمق.
هذه النقاشات كانت عامة مثل مطالبة وزارة العمل بمزيد من إجراءات مكافحة التستر وتوطين الوظائف، وأن هناك ملايين الوافدين يعملون في المملكة في جميع الوظائف والتخصصات، وكل وظيفة يشغلها وافد فهي تعد وظيفة للمواطن وفرصة لتوطينها.
رغم أن أغلب ممن ناقش قضية التوطين هم أتوا من الجامعات، ويعرفون أساسيات البحث العلمي، وأساسيات النظام الاقتصادي، ويدركون أن الوضع في السعودية تشوهات اقتصادية، وأن عليهم قبل الحديث أن يدعموا نقاشهم أو نقدهم لوزارة العمل بأعمال استقصائية، ودراسات علمية، ليكون نقاشهم ونقدهم لوزارة العمل له جدوى إجرائية، خصوصا أن مجلس الشورى مجلس تشريعي وليس مجلساً اجتماعياً، فكيف إذن يكون مثل هذا المجلس قادراً على أن يحاسب الوزارات والدوائر الحكومية إذا لم يكن يمتلك أدوات النقد والمحاسبة.
لم يفرق المجلس بين المهن الخدمية والمهن الإنتاجية، وأن نحو 90 في المائة من العمالة الوافدة تهيمن على المهن الخدمية، وكيف لجأت وزارة العمل إلى تحديد 19 مهنة خدمية لشغلها بمواطنين، واتجهت إلى قصر المراكز التجارية على المواطنين والمواطنات، وبعد قصر بيع الجوالات على المواطنين قصرت أيضا 12 مهنة على السعوديين، وسبقها قرارات التأنيث، خصوصاً بعدما فشلت الحصص التي اعتمدتها وزارة العمل في الفترة الماضية ولم تسهم في خفض نسب البطالة بل ارتفعت البطالة، فلجأت إلى رفع الرسوم على العمالة الوافدة، ستخرج العمالة الخدمية التي لن يشغلها المواطنون، فيما العمالة الأخرى سيدفع القطاع الخاص تلك الرسوم مقابل بقاء تلك العمالة وتحميل المواطنين فاتورة تلك الرسوم.
كنت أتمنى من أعضاء مجلس الشورى مناقشة جهود وزارة العمل وتصويبها وتقديم دراسات اقتصادية، وهل إجراءات وزارة العمل مجدية أم هناك وسائل أكثر جدوى من تلك الجهود التي تقوم بها وزارة العمل من أجل السيطرة على ملف البطالة وخفض نسبها.
إحصائيًا يمثل الشباب دون سن 30 عامًا ما نسبته 67 في المائة من المجتمع السعودي، الذي يوصف بأنه مجتمع شاب، ولم تعد الدولة قادرة على الاستمرار في الإنفاق الحكومي كمحرك أساسي للاقتصاد الوطني، ولم يعد الناتج المحلي يعتمد على المشاريع الحكومية كمحرك للقطاع الخاص، حيث بلغ الإنفاق الاستثماري للحكومة منذ عام 2009 وحتى نهاية 2015 نحو 503.7 مليار دولار ( 1.889 تريليون ريال ) أغلبها في المشاريع الخدمية، وأغلب العمالة فيها عمالة وافدة.
يجب استيعاب هذه المتغيرات التي علينا جميعاً أن نستوعبها عند التخطيط والمعالجة، ما يعني أن هناك إعادة هيكلة للاقتصاد المحلي المشوه، في المقابل علينا أن نستثمر هذا التحول الكبير كمكسب في السيطرة على نسب البطالة المتنامية وخلق فرص عمل جديدة، وإذا أهملنا تلك المتغيرات فإن نسب البطالة سترتفع.
لذلك وجب ربط التنمية الاقتصادية بالتوطين، بالإضافة إلى زيادة مشاركة المرأة وتوسيع المجالات التي توفر الفرص الوظيفية للمرأة عند تنفيذ المشاريع الجديدة بأن تبنى أي جدوى اقتصادية في هذه المشاريع على تشغيل اليد العاملة الوطنية، وهذه آلية واضحة المعالم، خصوصا أن الرؤية تتضمن رفع نسبة مشاركة القطاع الخاص من 40 إلى 65 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، وهذا بدوره ينطوي على فرص عمل للشباب، خصوصا أن هناك قطاعات وليدة جديدة مثل قطاع التعدين وقطاع الترفيه والسياحة.
ومعالجة أوضاع المرحلة الانتقالية هو الأهم حتى نتمكن من تحقيق الرؤية من خلال تقديم الدعم والتمويل للشركات الصغيرة والمتوسطة القادرة على خلق الوظائف، والاهتمام بالقطاعات الخدمية ذات البعد التنموي مثل قطاعي الإسكان والنقل (سكك الحديد)، إلى جانب أن الدولة مقبلة على خصخصة عدد من القطاعات التي سترفع من مستوى الخدمة والطلب عليها وهو ما سيخلق فرصاً وظيفية نوعية برواتب عالية.
بالطبع يستلزم ذلك تشريعات وتنظيمات مناسبة، وبيئة تحتية مناسبة للشباب السعودي لأن التشريعات السابقة تتناسب مع العمالة الوافدة، والهدف النهائي صناعة رأس مال بشري من خلال التدريب والتأهيل لرسم واقع ما بعد اقتصاد النفط لتسريع وتيرة النهضة التنموية الشاملة في جميع المجالات والأصعدة التي تعيشها المملكة داخلياً وخارجياً التي تشتمل على مضامين وبرامج ومشروعات عملاقة لتدشين مرحلة تاريخية مهمة تتحول بها المملكة إلى آفاق اقتصاد متنوع يستثمر الفرص التنموية في كافة المجالات.