د. أحمد الفراج
الولايات المتحدة الأمريكية دولة مؤسسات، ولكن هذا لا يمنع سياسياً قوياً، خصوصاً الرئيس، من التأثير على مجريات التعامل مع الأحداث، بما لا يتعارض مع الخط السياسي العام، فإيران، على سبيل المثال، تعتبر دولة غير صديقة للولايات المتحدة، وترمب وأوباما كلاهما يرى ذلك، مع الفارق بالطبع، وبالتالي فإن أوباما تعامل مع إيران بنعومة، معتقداً أن هذا هو أفضل الطرق لكف شرها، وهو الأمر الذي يعارضه الصقور المحافظون، ومنهم الرئيس الحالي ترمب، ولا نغفل أن نعومة أوباما مع إيران، كان سببها الرئيس حرصه على تسجيل إنجاز يسجله له التاريخ، ومن خلال هذا الإطار، جاءت إقالة وزير خارجية ترمب، ريكس تيلرسون، الذي كان حجر عثرة في طريق سياسات ترمب الصلبة، خصوصاً تجاه إيران، التي ينحى تيلرسون خطاً أوبامياً ناعماً تجاهها، على غرار بريطانيا وفرنسا وألمانيا.
ريكس تيلرسون لم يكن يوماً أحد خيارات ترمب، لا لوزارة الخارجية ولا لغيرها، فإلى ما قبل يومين من ترشيحه للخارجية، قبل عام ونيف، كانت خيارات ترمب للخارجية تدور حول شخصيات سياسية قريبة منه ومن خطه السياسي، فقد كان متردداً بين عدة شخصيات، كان أبرزها عمدة مدينة نيويورك السابق، رودي جولياني، الذي اشتهر خلال أحداث سبتمبر، وهو يميني متشدد، ومن صقور الجمهوريين الداعمين لترمب منذ لحظة ترشحه للرئاسة، كما كان هناك اليميني الآخر، جون بولتون، الذي عمل يوماً مندوباً لأمريكا لدى الأمم المتحدة، أما المفاجأة، فقد كان الحاكم، ميت رومني، خصم ترمب الشرس، والمرشح الجمهوري ضد أوباما، في انتخابات 2012، وقد تصالح ترمب معه، بعد فوزه بالرئاسة، وفكر في إسناد حقيبة الخارجية له، ثم فجأة، وبتزكيات من شخصيات يثق بها ترمب، تم طرح اسم ريكس تيلرسون، ووافق عليه ترمب سريعاً ورشحه، رغم اعترافه بأنه لا يعرف عنه الكثير قبل ذلك!
لم يكن عزل تيلرسون مفاجئاً، إذ لم يكن خطه السياسي متوافقاً مع خط ترمب، كما أنه لم يتعامل مع هذا المنصب الهام كما ينبغي، وقد اعترف أنه يجد صعوبة في العمل بوظيفة وزير الخارجية، حيث لا يستطيع أن يكون صاحب الكلمة العليا في رسم السياسات التي يريد، وخصوصاً أنه كان، قبل ذلك، رئيساً لشركة اكسون موبايل الضخمة، وكان صاحب الكلمة الفصل فيها، كما أنه غيَّر قواعد اللعبة في التعاطي مع الإعلام، إذ كان يتضايق من الإعلام والإعلاميين، وهو يشغل وظيفة يفترض أن يكون من خلالها قريباً منهم، وقد اشتكى الإعلاميون مراراً من ذلك، ومن تابع مسيرة تيلرسون، يعلم بأنه لم يكن هناك تناغم بينه وبين الرئيس ترمب، لدرجة أنه تسرّب تقرير، يشير إلى أن تيلرسون قال عن ترمب بأنه: «أحمق»!، ولم ينف ذلك بشكل صريح مطلقاً، وأذكر أنني كتبت حينها أن ترمب سيعزل تيلرسون، ليس لأنه نعته بالأحمق، ولكن لأن العلاقة بينهما وصلت إلى طريق شبه مسدود، وبإزاحة تيلرسون، يكون ترمب قد أزال عائقاً، وقف ضد سياساته الصلبة والشرسة، خصوصاً ضد إيران وكوريا الشمالية، وهو أمر جيد، قد تظهر نتائجه الإيجابية قريباً!