يوسف المحيميد
ظللنا لعقود طويلة نكتب على المستوى الإبداعي، بالذات لدى جيل الثمانينات عن قسوة الحياة وعزلتها، وشعورنا بأننا نبني بيوتنا بأسوار عالية، ثم نوصد على أنفسنا بأبواب حديدية، ونضع على نوافذنا ما كنا نسميه (شبك الحرامي)، وهو شبك حديدي يزيد من شعورنا بأننا داخل سجن أو معتقل، ولسنا في بيوت أليفة وأنيسة، فمع تقدم المدنية صار لبيوتنا أبواب كراج تدخل من السيارة، فلا نرى أحدًا، ولا يرانا أحد، حتى أننا نصاب بالدهشة والسعادة كلما سافرنا، وشاهدنا شوارع القاهرة ودمشق ولندن وباريس وغيرها، كيف يمشي الناس في الشوارع ببساطة، ويستمتعون بكافة مظاهر الحياة، ونستبعد تماما أن نحظى بمثل هذه الحياة إلا لو هاجرنا إلى دول كهذه الدول العريقة والمنفتحة.
لكننا اليوم، نشعر بالتغيير كلما خرجنا من منازلنا، فقد بدأت التحولات المهمة تحدث يوميًا، ليس على مستوى الترفيه فحسب، وإنما على مستوى استمتاع العائلات بحياة طبيعية وحرَّة خارج أسوار البيوت، في الحدائق والمطاعم والملاعب، وقريبا في السينما، فحتى المطاعم تغير تنظيمها، وتخففت كثير منها، من فكرة الغرف والأبواب المغلقة، إلى المناطق المفتوحة والطاولات المتجاورة، لأن كثيرًا من الناس هنا، كانوا يرون أن الخروج في نزهة والأكل في مطعم، لا جدوى منه، إذا كان داخل غرفة موصدة، لأن البيوت أكثر راحة واتساعًا من حجرات المطاعم.
ولعل من حسنات هذا التحول هو إمكانية عودة الأمهات لأبنائهن، والآباء لبناتهم، أي حضور الأب والأم معًا لحفل تخرج أبنائهم وبناتهم في مدارسهم وجامعاتهم، وهو ما يعيد بوصلة الأسرة مجددًا إلى وجهتها الطبيعية، وهو بالتأكيد ما يتمناه كل أب، وكل أم، وكافة الطلاب والطالبات، فلا أجمل من لحظة وجود الأسرة بكاملها في لحظة تاريخية مهمة في حياة أبنائها وبناتها.