انتقل إلى رحمة الله فجر يوم الاثنين الموافق 24 - 6 - 1439 هـ خالي معالي الشيخ منصور بن حمد المالك بعد مرض لم يمهله طويلاً في مستشفى الملك فيصل التخصصي بالرياض. فقدت أسرة المالك والوطن عالماً بارزاً من رجالها وعالماً بارزاً من رجال الدولة ممن خدم دينه ومليكه ووطنه بكل أمانة وإخلاص.
أفنى حياته بالعمل والجد والمثابرة، عمل في ديوان المظالم منذ تخرجه في كلية الشريعة وتدرج بالعمل بالديوان إلى أن صدر الأمر الملكي بتكليفه رئيساً لديوان المظالم لمدة أربع سنوات وخدم بالديوان قرابة الواحد وأربعين سنة حافلة بالعطاء والتميز وكان يشهد له الجميع بالأمانة والصدق والإخلاص والنزاهة ودماثة الخلق.
وخلال عمله في ديوان المظالم شهد الديوان تطوراً ملموساً من حيث التنظيم وسرعة البت في القضايا وافتتاح فروع للديوان في كثير من مناطق المملكة وازداد حجم العمل والقضايا التي أوكلت للديوان وكان للشيخ منصور دور بارز في هذا التطور وذلك لمكانته عند كبار المسؤولين.
فالشيخ منصور ذو أخلاق فاضلة، إذ كان محبوباً من جميع فئات المجتمع لتواضعه وعدم تأخره عن أداء الواجبات الرسمية من مناسبات وغيرها.
وكثيراً ما يتجه إليه أصحاب الحاجة لحل مشاكلهم والتوسط لهم ومساعدتهم في حلها بجاهه وماله وكان يفتح بيته لاستقبال الدارسين والمحتاجين من المواطنين. وبعد تقاعده استمر على طريقته بإلقاء الدروس وشرحها على طلاب العلم. وفتح بيته لحل المشاكل وإصلاح ذات البين والتوسط لذوي الحاجة عند كبار رجال الدولة والمسؤولين ورجال الأعمال. ويحتفظ الشيخ بعلاقات قوية مع ملوك البلاد ومع الأمراء والمشايخ والعلماء والوزراء ورجال المجتمع، كما أن له مكانة اجتماعية خاصة عند الجميع.
وكان للشيخ مواقف كثيرة يذكر لنا (الشيخ علي السعوي) أحد منسوبي ديوان المظالم:
تمت محاكمة أحد موظفي الديوان بسبب خطأ ما وصدر الحكم بإدانة هذا الشخص وخصم مرتب شهر كامل وصدق الشيخ منصور على الحكم.
بعد ذلك دخلت على الشيخ في المكتب وقلت له يا شيخ والله أني أعرف ظروف هذا الرجل وخصم راتبه سوف يؤثر عليه وعلى أسرته فهو يصرف على عائلته وأولاده.
فسألني الشيخ كم راتبه؟ قلت: ثلاثة آلاف ريال فقام الشيخ وأدخل يده في جيبه وأخرج ثلاثة آلاف ريال وقال أعطها له مساعدة من عندي، أما الحكم فيجب أن يطبق على الجميع بغض النظر عن ظروفه.
كما قصَّ علينا الشيخ السعوي رحمه الله قصة أخرى يقول: حدثت مشكلة بين الشيخ منصور وأحد منسوبي الديوان ورفع قضية على الشيخ وأُدين هذا الرجل لتطاوله عليه في هذه القضية. المهم بالموضوع أن الشيخ أقام وليمة عشاء لأحد المشايخ في مزرعته ودعا لها جمع من طلبة العلم وموظفي الديوان وعند دخولي إلى صالون الاستقبال فوجئت بوجود هذا الشخص الذي قد رفع قضية ضد الشيخ منصور من ضمن المعازيم ولم يمر على انتهاء القضية شهر.
هكذا هم الرجال الطيبون يتواضعون ولا يحقدون على أحد ولَم يتأثر الشيخ من موقف هذا الرجل ويكون ذلك في خاطره بل ترك الموضوع وكأن شيئاً لم يكن.
وهناك الكثير من القصص التي تحكي عن مواقف كثيرة لشيخنا الراحل منصور المالك منها إعتاق الرقاب وإصلاح ذات البين والسعي في توظيف المحتاجين وتسديد الديون عن الفقراء والمساكين وبناء المساجد وله مشاركات كثيرة في أعمال الخير التي لم يبوح بها لأحد.
قبل أن أختم كلمتي أود أن أشيد بزوجة المرحوم عمتي (أم عبدالله) التي رافقته في جميع مراحل حياته وأنجبت منه أربعة أبناء وسبع بنات وكانت نعم الزوجة الصالحة في دينها وخلقها وكان لتصرفها المميز أثناء دخول الشيخ العناية أجمل الأثر في نفوس أبناء وبنات العائلة. فقد صادف دخول الشيخ منصور في العناية المركزة يوم الجمعة عند العاشرة صباحاً وكان هناك زواج في نفس الليلة لأحد بنات العائلة في مدينة الخبر وقامت بإبلاغ أبنائها وبناتها بعدم ذكر خبر دخول الشيخ في العناية وكتم الخبر عن أفراد العائلة حتى يتم وتنتهي مراسم الزواج حتى لا يعيق ذلك إكمال الزواج.
وفعلاً تم ذلك واكتملت مراسم الزواج وفي صباح السبت أبلغت إخوان وأخوات الفقيد بأن الشيخ منصور في العناية وأن حالته في خطر.
وقد عُرف عن أم عبدالله التديّن وحب عمل الخير وكانت حريصة على صلة الرحم بين الأسرة والقيام بتأدية الواجبات العائلية الله يديم عليها الصحة والعافية ويرحم زوجها الشيخ منصور ويدخله جنات النعيم ويجعل قبره روضة من رياض الجنة.
وآخر دعائي لوالدي الشيخ منصور.
(اللَّهُمَّ اْغْفِرْ لَهُ وَارْحَمْهُ وَعَافِهِ
وَاعْفُ عَنْهُ وَأَكْرِمْ نُزُلَهُ، وَوَسِعْ مُدْخَلَهُ، وَأَغْسِلْهُ بِالْمَاءِ وَالثَّلْجِ وَ الْبَرَدِ، وَنَقِّهِ مِنْ الْخَطَايَا كَمَا يُنَقَّى الثَّوْبَ الْأَبْيَضَ مِنْ الدَّنَس وَأَبْدِلْهُ دَارَاً خَيْرَاً مِنْ دَارِه، وَأَهْلَاً خَيْرَاً مِنْ أَهْلِهِ، وَ زَوْجَاً خَيْرَاً مِنْ زَوْجِهِ، وَ أَدْخِلْهُ الْجَنَّةَ، وَقِهِ فِتْنَةَ الْقَبْرِ وَعَذَابَ النَّارِ).
** **
- منصور بن محمد المالك