«الجزيرة» - أحمد المغلوث:
كنت مع الأسرة (أو قبيلتي الصغيرة) في سويسرا الحالمة. وخلال الأيام الثلاثة التي قضيناها في ربوع هذه الدولة الزاخرة بأرصدة دول وأثرياء العالم من قادة ورجال أعمال وحتى لصوص؟! كنتُ أتمنى أن أزور أحد مصانع الساعات الشهيرة، لكن مشكلة واجهتني؛ فأحد الأبناء -حفظه الله- كان مسؤولاً عن برنامج الزيارة الذي أعده بدقة متناهية، والذي يبدأ من الساعة الثامنة صباحًا حتى العودة مساء. فرغبات أفراد الأسرة واهتماماتهم تختلف عن رغباتي. ومع هذا عوضت زيارة لمصنع الساعات بزيارة أكثر من متجر في جنيف متخصص في بيع الأغلى والأثمن من أشهر الساعات السويسرية الشهيرة. ولم أتردد أن أسأل بعض الباعة في هذه المتاجر عن ماهية الساعات السويسرية التي بعضها يُعتبر أعجوبة من عجائب الصناعات الصغيرة والدقيقة، والتي تميزت بها سويسرا على مر العصور، وتفوقت على مختلف صناع الساعات في العالم؟! وساعة اليد التي يضعها البعض في يده تشكِّل أعجوبة من عجائب الصناعات الدقيقة؛ فالقوة التي تحركها - كما قال لي «مسيو بير» - لا تكاد تزيد على مائة ألف جزء من قوة حصان واحد؟! ومع هذا يهتز بندولها في حركة دائرية 864 ألف مرة في اليوم بسرعة نحو ستين ميلاً في الساعة. وكثير من أنواعها صنع لتتحمل آلتها أعنف الصدمات، فإذا وضعت ساعة في غسالة ماء وتركتها وقتًا غير قصير وهي تهتز بعنف في الماء المغلي والصابون لا تتأثر آلتها، وستستمر في أداء عملها؟!
وبدون مبالغة، يرجع الفضل لدقة الساعات السويسرية إلى الشعب السويسري نفسه؛ فهو الذي أبدع وتفنن وطوَّر صناعة الساعات في بلاده، وجعلها دائمًا الساعات الأولى في العالم، وتكاد تجدها رغم اقتحام دول عديدة هذا المجال، كاليابان والصين وكوريا، وحتى دول غربية كثيرة. لكن الخلطة السرية الصناعية - إذا جاز القول - هي حكر على الشعب السويسري الذي توارث هذه الصناعة الثمينة والمدرة للملايين أبًا عن جد، بل نستطيع أن نقول: إن نسبة كبيرة من الأسر السويسرية تعمل في مجال صناعة الساعات، وحتى ما يتبعها من صناعات أخرى، كالمجوهرات والحلي الثمينة. ويعود الفضل للسويسريين بوصفهم أول من ابتكر تثبيت (الأحجار) بالساعة لتقويتها، وتجليتها، وزيادة مدى تحمُّلها.. وهم كذلك أول من صنعوا (الزنبرك)، وهو مزيج من النيكل والصلب. وأول من صنعوا الساعات التي لا تتأثر بالماء، والساعات الأوتوماتيكية التي تملأ نفسها بنفسها؟! وتنتشر في مطارات العالم الشهيرة ساعات سويسرية ثمينة.. هذا، وتعتبر بعض أنواع الساعات السويسرية من الأشياء الثمينة، التي تباع في المزادات العالمية، وتحقق عشرات الملايين بين فترة وأخرى، ويتنافس على اقتنائها الأثرياء وهواة جمع الساعات في العالم.. وتُقام في بعض العواصم بكبرى الدول - ومن بينها نيويورك وباريس وهونج كونج ولندن ودبي - معارض متخصصة في بيع الساعات الثمينة، وتُقام هذه المعارض تحت رقابة أمنية مشددة؟! ومع هذا استطاع بعض اللصوص السطو على محال متخصصة في بيع الساعات الثمينة جدًّا، كما حدث قبل سنوات في البحرين ودبي وباريس ولندن؟!