عبدالعزيز السماري
برغم من إنجازاتهم العلمية التي غيرت مسار العلم في القرون الوسطى وما بعدها، تحول العرب عن العلوم الطبيعية، وعادوا إلى حياة التخلف والخرافة، وقد تناولت دراسات معاصرة لا يمكن حصرها في هذه المقالة الأمر المحير، وقد كانت أغلب المؤلفات العربية والإسلامية عنها أشبه بالبكائيات على العصر الذهبي المفقود، وإرجاعه للبعد الديني، بينما حاول بعض الباحثين تقديم تبريرات مقنعة وتفسيرات علمية لهذا التحول الغريب..
كان من الأسباب في بعض الأبحاث العلمية انتصار بعض التفسيرات الدينية المتأخرة كأحد أهم أسباب التحول عن مسار النهضة العلمية، وتأتي مدرسة الأشعري بقيادة أبوحامد الغزالي أول من بدأ بمناهضة العقلانية كأحد أهم عوامل انحدار العلم العربي، وذلك بعد انتشار مذهبهم في العالم العربي والإسلامي..
كانت الوعظ في العالم الإسلامي في تلك الحقبة يعارض بشكل متزايد الإبحاث العلمية المجردة، ويبشر بأن أي تحقيق علمي لا قيمة له إذا لم يساعد مباشرة في انتشار التنظيم الديني للحياة الخاصة والعامة، في حين كان عصر المأمون والمعتزلة والفلاسفة يقدم تفسيرات دينية مفادها أن دعوة الله للإنسان تنطلق من خلال العقل والمعرفة بخفايا الكون..
وبالتالي تعزيز البحث عن الأسباب كمنهج لمعرفة الله عز وجل وعبادته، بينما كان انقلاب أبو الحسن الأشعري الشهير على المعتزلة يقدم اجتهاداً دينياً ينكر السببية الطبيعية، وهو ما أدى لاحقاً إلى تحول العقل إلى عضو محبوس داخل زنازن غير متصلة، ويتلقى إجابات غير منطقية عن المسائل العامة، وهو ما رسخ فكرة العلة الواحدة، وألغى السببية.
لم يكن أيضاً إهمال دور الإمبراطورية العثمانية في محاربة العقل والعلم وتحريم الفلسفة من خلال خرافات التصوف، وكان ثمن ذلك مزيدًا من التخلف الذي أوصل العرب إلى درجات دنيا في الحياة الإنسانية، ولكن برغم من الاستقلال وخروج العثمانيين من بلاد العرب منذ أكثر من قرن ما زال العلم يعاني في الدول العربية، فنحن بدون منازع من أقل الأمم إنتاجاً للأبحاث العلمية..
يعاني العلماء من الإهمال الذي يصل إلى درجة عدم الاعتراف بوجودهم، فالبروباجندا الإعلامية في العالم العربي تقود الشارع العام، وقد كانت لوقت قريب تستغل الأشعرية والسلفية لفرض واقع سياسي معين، وتربط الإنجاز الرياضي بالولاء والوطنية، ويتم صرف الميزانيات الطائلة عليها، وأحياناً بلا حدود، وإهمال البحث العلمي ودعم العلماء المتفرغين في هذا المجال الحيوي..
كان بعض من هذا الطرح جانباً من مقال تم نشره من بضع سنوات «لماذا تحول العرب عن العلم»، وقد أشار المؤلف هيليل أوفي في مقاله حول المقاييس المقارنة حول العالم العربي، وأنها تحكي قصة التخلف ذاته حيث يشكل العرب 5 في المائة من سكان العالم، لكنهم ينشرون 1.1 في المائة فقط من كتبه، وفقاً لتقرير التنمية البشرية العربية الصادر عن الأمم المتحدة عام 2003. بين عامي 1980 و2000، منحت كوريا 16328 براءة اختراع، في حين منحت 9 دول عربية، بما في ذلك مصر والمملكة العربية السعودية، ما مجموعه 370 فقط، والعديد منهم مسجل من قبل الأجانب.
وجدت دراسة في عام 1989 أنه في عام واحد، نشرت الولايات المتحدة 10481 ورقة علمية تم الاستشهاد بها بشكل متكرر، في حين أن العالم العربي بأكمله نشر أربعة فقط، وهي صورة مؤلمة لواقع مرير، وعندما نشرت مجلة الطبيعة مخططا للعلم في العالم العربي في عام 2002، حدد مراسلها ثلاثة مجالات علمية تتفوق فيها البلدان الإسلامية: تحلية المياه والصيد بالصقور واستنساخ الجمال..
يشير التاريخ بشكل غير مباشر إلى أن السلطة في تاريخ العرب كانت نقطة التحول نحو تعزيز المنهج العلمي الذين وضع العرب في مقدمة الأمم، دفعها نحو الهاوية والتجهيل، حيث لم تكن المدارس الدينية إلا أدوات في إرادة الحاكم، فالمأمون فرض بقوة المنهج العلمي والسببية من خلال تبني منهج المعتزلة، بينما أعاد المتوكل ولاحقاً المقتدر العقل إلى رفض السببية والعلة الواحدة، وهكذا..
ما زلت متفائلاً بالرؤية الوطنية لإعادة الشغف العلمي وتعزيز منهج البحث العلمي ليكون في مقدمة المناهج الدراسية، وتشجيع مراكز الأبحاث بالدعم المالي، والتركيز على العلماء الذين يقدمون الوقت والجهد في البحث العلمي في مجال العلوم الطبيعية، وهذه المراكز أجدر بالدعم من غيرها من المجالات التي من الممكن أن تكون تحت مظلة القطاع الخاص مثل الرياضة والفن والمهرجانات كما تناولتها الرؤية الوطنية المعلنة في أكثر من مناسبة، ومن المؤكد أن نيل عالم سعودي جائزة نوبل أهم من الترشح لكأس العالم ألف مرة..