د. خيرية السقاف
نبلوَ الحياةَ بمعطياتها المُقدَّرة، نُسبغ عليها ما فينا من خصائص طباعنا, وخبراتنا, مفاهيمنا, وقناعاتنا.. نرضى بما نطمئن لسلامته من سلوكنا فنكسب من هذه المقدرات ما يزيدنا إمعانا, وتعمقا في طبيعتها هذه الحياة, وفي فلسفتها مع كل الموجودات في كوننا الصغير الذي يحتوينا من جِلْد أجسادنا, وأهداب عيوننا, وأظفار أصابعنا, وحتى الرمل الذي تحت أقدامنا, والماء تنبع لنا به الأرض, أو تُسقطه المزون من فوقنا..
الحياة خبرات, ومُتاحات, وفرص, إما للحيوية فينا, أو للموات..
أما المنطقة الوسطى بينهما فليست تُرضي الطموحَ, ولا الدؤوبَ, ولا ذا الهمة..
التعلم اليومي في مدرسة الحياة لا يقر بغير النفس الشغوفة لأن تعجن بين كفي طموحها حنطة الحياة, وأن تصنع منها رغيفا للطريق, ونسيجا لدرب المسار..
المقدرات التي جعلتنا بشرا, وعيِّنت فينا نوعنا, شكلنا ولوننا, منحتنا فرصة أن نملأ هذا الإناء بما نحصده في مسار خبراتنا, منذ بدء صوت, إلى زفرة سكوت..
كلما بلونا الحياة أعطتنا, وكلما أعطتنا سألتنا, وكلما سألتنا علينا أن نجيب...
في خانة السؤال عن الطريق, ومن فيه من العابر, والرفيق, والنظير, والمختلف, فإن ثمة حلقات تدور كالدوامات في لحظة عصف, في انتظار صدق في التعبير عنها, والوصف لها..
من الذي معنا, ومثلنا, ومن الذي ليس وضدنا, ما الفوارق, والمفارقات, ما تأثيرها في مسار الحياة؟
النجاح ما مؤهلاته, والسلام ما مقوماته, ما المشتركات, وما الاختلافات, ما الذي يضيف, وما الذي يسلب, ما الذي يرفع, وما الذي يخفض, من يُعلي, ومن يقضُّ, كيف تُظلم الحقيقة, وكيف تنبلج أضواؤها, متى تستوي الخامات فاعلة, ومتى تعطب الفسائل قائمة؟..
أن نُبتلى بالتفكر في الحياة, مقدراتنا وصنائعنا, رحانا وحنطتنا, ساعدنا وعضدنا, نبع مائنا ودلونا, لمعة فكرتنا, وانطفاء وقدتنا, فإننا كالعسِّ في الظلام, نومض بشعلتنا لنرى..
فثمة أمر علينا أن نغذ لاكتشافه, ليبلج لنا صبحه..
نحن بين ما نفعله لأنفسنا, وما نتلقاه عن سوانا..
شيء منَّا, وآخر لنا، وبعض من غيرنا..
الحياة بكل كونها, وجزيئاته, لنا حتى نغمض عيوننا..
فما نحن فاعلون بها, ولها, وفيها؟!..