فضل بن سعد البوعينين
بات واضحًا توجه بعض دول الخليج للتوسع الممنهج في إنتاج الطاقة المتجددة، وفي مقدمها الطاقة الشمسية، أحد أركان مزيج الطاقة المستهدف لأسباب إستراتيجية وبيئية ودولية. تشير البيانات المتداولة إلى التوسع الملاحظ في ضخ الاستثمارات المالية في قطاع الطاقة الشمسية على وجه الخصوص، بهدف رفع حجم الإنتاج وتحقيق التوازن الأمثل في مصادر توليد الطاقة الكهربائية. كتبت غير مرة عن أهمية البدء في تنفيذ مشروعات الطاقة الشمسية في الخليج، وانعكاساتها على السياسات الحكومية، وتقبلها لمشروعاتها الطموحة، ذات الكفاءة والجودة العالية. تنفيذ المشروع الأول يعني بداية الانطلاقة لمشروعات أخرى، تعتمد في أساسياتها على قناعة الحكومة، وكفاءة القطاع الخاص، وتعاظم الربحية، والاستدامة.
ولعلي استشهد بمشروعات الطاقة الشمسية في دولة الإمارات العربية المتحدة، التي بدأت في التوسع اللافت، واستقطاب استثمارات ضخمة كفيلة برفع حجم إنتاج الكهرباء من مصادره المتجددة. إطلاق المشروع الأول لإنتاج الكهرباء من الطاقة الشمسية في إمارة دبي، قادها للتوسع السريع وضخ مزيد من الاستثمارات المالية لإنتاج ما يقرب من 700 ميجاوات من الكهرباء النظيفة. خلال سنوات قليلة، بدأت إمارة دبي المرحلة الرابعة من مشروع «الطاقة الشمسية»، باستثمارات مالية تربو على 14.2 مليار درهم، وبتقنيتي إنتاج حديثة، تضمن التنوع والتكامل مع المشروعات السابقة والتماهي مع متغيرات الصناعة، وهي منظومة عاكسات القطع المكافئ بقدرة إجمالية 600 ميجاوات، وتقنية برج الطاقة الشمسية المركّزة بقدرة 100 ميجاوات.
يتميز المشروع الجديد ببرجه الشمسي الأعلى في العالم، حيث يصل ارتفاعه إلى 260 متراً، وبأكبر سعة تخزينية للطاقة الحرارية، وقدرته على خفض أكثر من 1.4 مليون طن من انبعاثات الكربون سنوياً.
قابل توسع دولة الإمارات في إنتاج الطاقة الشمسية، توسعًا موازيًا لشركة «أكوا باور» السعودية الشريك الإستراتيجي في إنشاء محطات الطاقة، وإنتاج الكهرباء من الطاقة الشمسية في الإمارات.
نجاح «أكوا باور» في المشروع الأول قادها للفوز بالمشروعات المتلاحقة، عطفًا على كفاءتها وعطاءات الأسعار المنافسة، مقارنة بأسعار الشركات العالمية الأخرى. بنت الشركة نجاحاتها من خلال مشروعاتها العالمية في جنوب إفريقيا والمغرب وتركيا، وقريبًا في السعودية من خلال مشروعها الأول في «سكاكا»، والذي سيشكل قاعدة الانطلاقة السريعة لاستكمال هدف رؤية 2030، المتمثل في إنتاج ما يقرب من 9.5 جيجا من الكهرباء من الطاقة المتجددة. كما تشارك «أكواباور» حسب تقارير إعلامية في محطة «بنبان» بمحافظة أسوان جنوب مصر، والذي تذكر التقارير أنه أكبر تجمع لمحطات الطاقة الشمسية على مستوى العالم.
تحالف «أكوا باور» السعودية، و»صندوق طريق الحرير»، بالتعاون مع «شنجهاي الكتريك» الصينية، المقاول الرئيس للمشروع، يفتح آفاق التعاون مع الصين الدولة الأكثر تطورًا في صناعة الطاقة الشمسية، ما سينعكس إيجابًا على الشركة السعودية وشراكاتها المستقبلية لتنفيذ مشروعات أكبر داخل المملكة وخارجها. فالحديث عن الطاقة الشمسية، يقودنا دائماً إلى الصين التي نجحت بإضافة 34 ألف ميجاواط من الطاقة الكهربائية الشمسية، في عام واحد فقط، متجاوزة الولايات المتحدة واليابان وأوروبا مجتمعين. اهتمام الصين بصناعة الطاقة الشمسية دفعها لإرسال وفد من 30 عضوًا في جولة دراسية إلى المغرب لمعرفة المزيد عن مشاريع الطاقة الشمسية هناك. قد تتفاجأ الصين بأن منفذي ومشغلي مشروعات الطاقة الشمسية في المغرب هي شركة «اكواباور» السعودية. لذا أجزم أن تحالف الشركة مع شركات صينية في مشروعات مختلفة يعني تعزيز الشراكة التقنية والتنفيذية والاستثمارية بين السعودية والصين، وهو جزء من الرؤية الإستراتيجية الوطنية.
في حديث سابق لسمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، أشار إلى اهتمام المملكة بأن يكون لديها مصارف عالمية منتشرة في قارات العالم. الأكيد أن ذلك الهدف ليس حكرًا على الصناعة المصرفية، بل ينطبق أيضاً على قطاعات الصناعة الأخرى، ومنها الطاقة بأنواعها. فبعد نجاح أرامكو السعودية وسابك عالمياً، بدأت الأنظار تتجه نحو الشركات السعودية الأخرى كي تأخذ دورها العالمي، وأحسب أن «أكوا باور» في مقدمها. أختم بالتأكيد على أهمية الرؤية الإستراتيجية في توسع الشركات خارجيًا، وأهمية التحوط من الأسواق المستهدفة، وحجم المخاطر المتوقعة. فإغراء التوسع يجب أن يضبط بعقلانية التحوط لضمان استمرارية النجاح، وتجنب المخاطر المفاجئة.