فوزية الجار الله
يكذب الناس كثيراً، هكذا يبدأ الدكتور «فيل» ،الشخصية التفلزيونية الشهيرة، حديثه حول الكذب، ويقول بأن الأبحاث أثبتت بأن الكذب يختلف من شخص إلى آخر حسب تعريفهم للكذب وأن أخطر أنواع الكذب هو الكذب حول طبيعة العمل أو المهام التي يقوم بها الإنسان في حياته اليومية، نعم الأغلبية الساحقة من الناس تكذب كثيراً بمعنى المجاملة غالباً لعدم جرح الطرف الآخر أو رغبة في الحفاظ على علاقات جيدة مع الآخرين، لكن البعض الآخر يرفض ذلك تماماً، ويسعى دائماً إلى أن يكون صادقاً أمام الله أولاً ثم مع نفسه وبالتالي مع الآخرين..
لابد أننا جميعاً ذلك نواجه ذلك بأنفسنا مابين الوقت والآخر.. أحياناً تبدو المواقف مؤلمة وجارحة لكنها غالباً لاتخلو من طرافة، والأفضل اتباع الصدق بدلاً من أن تكون عارياً، مكشوفاً أمام الآخرين بحكاية كاذبة تجعلك في موقف لاتحسد عليه.
منذ سنوات قررت أنا وإحدى الزميلات زيارة إحدى العائلات لأداء واجب العزاء وهو حق علينا أولاً: هو واجب ديني وثانياً: اجتماعي بحكم كوني أنا وهي ننتمي إلى دائرة الإعلام بشكل أو آخر.
اتفقنا مع زميلة ثالثة أبدت استعداداً لمرافقتنا نظراً لمعرفتها المباشرة بهذه العائلة فربما يكون الأمر مريحاً أكثر لنا.. كنا في منزلي أنا والزميلة في انتظار رفيقتنا التي تأخرت عن موعدها بشكل ملحوظ، فجأة وأثناء استغراقنا في بعض الأحاديث لقطع الوقت الممل نظراً لانتظارنا الذي طال فوجئنا بجرس الهاتف، بادرت بالرد كان صوتها يردد سريعاً وبشكل مقلق أنها لن تستطيع الذهاب إلى العزاء وعلينا ألا ننتظرها وأنه لاوقت لديها للشرح، شعرت بالخوف والهلع ( ياللبراءة.. ! ) ولم تكن حالتها تسمع بسؤالها فقط، عسى أن يكون خيراً للإطمئنان وحسب، أصابنا شيء من التوتر، واتقدت مشاعرنا تعاطفاً معها وأخذنا نتخيل شتى المواقف، لعل هناك حالة إسعافية طارئة لأحد أفراد عائلتها أو ربما أصيبت هي لاسمح الله بحادث مروري وربما حدث حريق في منزلهم أو.. أو.. كل الاحتمالات مفتوحة، تركناها تطوف حولنا وسارعنا بالتحرك إلى دار العزاء..
صمتٌ ونحيب خافت وشهقات ودعوات هامسة هنا وهناك، اتخذنا موقعاً أنا وزميلتي في سرادق العزاء.. فجأة وكما يحدث في الأفلام السينمائية، وجدنا زميلتنا الثالثة تتهادى بخطوات واثقة - هكذا خيّل إلي - مابين الصفوف التي استدارت في البهو الكبير، تبادلت أنا وصديقتي نظرة دهشة وتساؤل، حالما اقتربت قليلاً هرعت لمصافحتها عمداً مع سبق الإصرار ولا أدري إن كانت تلك حركة «شريرة» مني ؟! أم أنها أمر كان لابد أن يكون؟.. تعمدت ذلك كي أقول بأننا هنا وهاهي هنا أيضاً فلماذا هذه الحكايات المحبوكة التي ليس ثمة مايدعو لها ؟! تضاءلت مكانة السيدة كثيراً في عيني، لم تعد شيئاً ذا قيمة أو أهمية بعد موقفها الطفولي الصغير.