أمل بنت فهد
التعالي والتكبر والغرور، تهمة ينفيها الغالبية عن أنفسهم، ويحتقرونها، ويظنون أنهم أهل التواضع، لكن الأفعال تحكي كثيراً عنهم، وهم لا يدركون كمية المكاشفة التي تفرضها سلوكياتهم، إنها تعريهم، ويمشون عراة أمام الخلق، عراة من النبل، عراة من التعاطف، عراة من التفهم.
ولنأخذ مثالاً بسيطاً، يتحدث بوضوح عن قسوة الإنسان وتعاليه على الآخر، حين كان أغلبيتنا مخدوعين بالصحوة وأهلها، وكنا نصدقهم، وكنا نأمنهم على عقولنا، ومشاعرنا، وتعليمنا، كنا نجلسهم في صدر المجالس، كنا نقدرهم، كنا نحترمهم، كنا نظن أن لديهم علماً، ولديهم تقى، وزهدًا، كنا مسحورين بهم، وكلمتهم كانت فوق العلم، فوق التجربة، فوق الثقافة، كان لهم حضور صارخ لا يقوى أحد على تحديه، أو مناقشته، أو معاندته، أو التشكيك فيه.
وكنا نعيش المبادئ التي صنعوها لنكون من جماعة الصحوة، نتخلى عن الأصدقاء، ورفقاء الدرب، لأننا في الطريق لنكون أفضل بدونهم، كان لا بد أن نتخلى عن الماضي بكل ما فيه من ذكريات لنولد من جديد، ويمكن للموسيقى ببساطتها أن تفرقنا، تفرق أهل البيت الواحد، وممكن لعباءة الرأس أن تحدد قبولنا لإحداهن والحكم على أخلاقها بالصلاح، كان تسطيح الإنسانية فينا من أبجديات الصحوة، وكان فينا كراهية ورفض ومبالغة في الخصام والقطيعة لكل من لا يمثل الصحوة، كنا نظنهم الأعداء بصراحة، كنا مسكونين بالشك والريبة، أمام الجديد، ونعيش تبرأً من الماضي وما كان فيه، كنا قساة على المختلفين، لأن الصحوة قاسية على كل ما هو مختلف. ويؤسفني أن أقول: لا تزال بقايا الصحوة فينا تحدد طريقة تعاملنا مع الآخرين، ومع المختلفين، لا تزال القسوة تحتل الصدارة في الحوار والتعاطي، رغم أننا نزعم اليقظة، وندعي أننا عرفنا ضلال المرحلة، لكننا نتعامل مع بعضنا بذات المبادئ، كأن الصحوة لم تغادر إلا المظاهر، إننا لا ننظر للتناقضات على أنها نتيجة طبيعية لتطور الإنسان، لا نزال نعتقد أنها إثبات على الكذب والخداع، فإذا تغير قول فلان من الناس، أو مسؤول ما، ركضنا بالخبر كأنه بشرى وصيد ثمين يدل على كذبه، والذي حدث أنه تغير مثلنا، وانتقل من يقين إلى يقين آخر، مثلما كان يحدث تماماً مع أي فرد قرر أن يهجر الصحوة ويعيش بطبيعته، فإن جماعة الصحوة تشن هجوماً شرساً عليه، كأنه ارتد عن دينه، أليس ذلك ما كان يحدث؟
فلماذا لا نزال نتعامل بذات المبدأ، لماذا لا نترفق بالإنسان حين يتغير، حين يتناقض، دون أن نهزأ به، وأن نتعامل معه كأنه أقدم على خطيئة!
آن لنا أن نراجع آثار الصحوة على سلوكياتنا، آن لنا أن نسمي ونحدد الصحوة ومبادئها، لنعرف هل شفينا منها حقاً، أم أنه شفاء ظاهري، لكنها تعمل في دوافعنا، وأفكارنا، وتعاملنا!