عبدالوهاب الفايز
oo ربما قبل خمسة عشر عاماً مثل هذا الحديث دار حول هذا الموضوع، كان الحديث حول الشركات الخاسرة في سوق الأسهم، وكنا حينئذ نقول إن هذه الشركات الخاسرة مقبول أمرها لو كانت استثماراتها في مجالات حيوية مثل: الصحة والتعليم والإسكان والأمن. هكذا كنّا نقول من باب محاولة قبول الأمر الواقع، ويبدو أننا نواجه نفس الوضع، فلم يتغير شيء في حال الشركات المساهمة القديمة الخاسرة، وحتى الحديثة دخلت في نفس مسار التحول إلى (شركات قطاع ثالث/ نفع عام!)، وهذا يدعم موقف المتحفظين على برنامج التخصيص، فهل ينتهي حال القطاعات الحكومية المخصصة إلى مثل هذه الشركات؟
إذا بحدود نصف شركات سوق الأسهم تسجل خسائر متراكمة، أو تسجل أرباح (غير تشغيلية)، ربما لا تتجاوز أرباح بقالة، ماذا يعني هذا؟ في تصوري أننا فعلياً نقبل تحول الشركات المساهمة إلى (جمعيات خيرية)، والأولى أن تحال الرقابة والإشراف عليها إلى وزارة العمل والتنمية الاجتماعية، فكأنها قامت لكي تتيح الوظيفة المريحة للعاملين فيها!
أيضاً قبولنا بهذا الوضع يعني تعطل استثمارات وطنية حيوية كان الأولى لأصحابها الاستفادة منها في مجالات تحقق العائد المجزي الذي يتطلعون إليه، بالذات صغار المستثمرين الذين يفترض المحافظة عليهم لأنهم، أولاً، يشكلون مصدر التغذية المهم لاستثمارات الشركات المساهمة، وثانياً، حتى تكون الشركات المساهمة وعاء استثمار وادخار للناس.
أحد الجوانب الضعيفة في اقتصادنا الوطني هو غياب أدوات الادخار الفعالة، وهذا يحرمنا السيولة الضرورية التي نحتاجها الآن ومستقبلاً لتمويل الإنفاق الحكومي على مبادرات ومشاريع (رؤية 2030). هذا الجانب الضعيف في اقتصادنا هو الذي يجعلنا نقلق من أوضاع الشركات المساهمة وتراجعها المستمر، فضعف العوائد ربما يطرد المستثمرين الصغار وحتى الكبار. ألا يدعو هذا للقلق والحذر خصوصاً أننا في مرحلة تحول اقتصادي من أبرز معالمه تمكين القطاع الخاص ودعم المستثمرين، وتوفير السيولة للمشاريع المحلية.
الشركات المساهمة دخلت في منحنى الخسائر المتراكمة نتيجة لـ (سوء القيادة والإدارة)، فبقيت مجالاً مفتوحاً لضعف وتقلبات الإدارة رغم أن أغلبها كان ـ وما زال ـ لديها الفرصة المثالية للتوسع والنمو في الأرباح والأصول، وبعضها يتمتع بحماية من المنافسة، ويحظى بدعم حكومي مباشر وغير مباشر، وتحميها الأنظمة المطبقة لسنوات طويلة من تدخل ملاك الأسهم، بالذات الصغار. رغم هذه المعطيات الإيجابية إلا أنها ظلت لسنوات طويلة بعيدة عن تفعيل الرقابة الداخلية، فأصبح مجلس الإدارة هو المهيمن، وهو الخصم والحكم في أغلب أمورها، وأصبح التلاعب في البيانات المحاسبية ممارسة قليل من يتورع عنها.
وهذا هو أحد أسباب تراجع الشركات المساهمة، لأنها وجدت الوسيلة السهلة للهروب من واقعها السيئ عبر الاتجاه إلى ممارسات تتيحها الأنظمة ومعايير المحاسبة والمراجعة، فأصبح تخفيض رأس المال وتقليص الأنشطة وتسريح العاملين الحل الأسهل، وهذا أدى إلى تمتع مجالس الإدارات والقيادات التنفيذية المتمصلحة معها بسنوات أخرى للاستمتاع بالوضع القائم، فلا حاجة للحلول المبدعة، ولا حاجة لاستقطاب القيادات المتميزة، وفعلاً.. لماذا العجلة، وأين المشكلة؟!
وأيضاً هؤلاء المتمتعون بإدارة الشركات المساهمة، يفترض أن يقدمون الشكر للدعم الحكومي على عدم استخدام الحصص الحكومية الرئيسة في الشركات المساهمة لتكون أداة ضغط موضوعي على مجالس الإدارات والقيادات التنفيذية لأجل تعديل الأوضاع السلبية للشركات. لقد بقيت الجهات الحكومية بعيدة عن التدخل لتعظيم العوائد من استثماراتها. وهنا نقول: ليت هذا التساهل كان مع شركات مساهمة في الصحة والتعليم والأمن والإسكان، هنا أجزم أن المساهمين المتضررين من غياب الأرباح يقبلون (الحالة الخيرية) كجزء من (الحالة الريعية).
هنا لا بد من الإشارة إلى أن الجهود الحكومية لتصحيح أوضاع الشركات شهدت نقلة تستحق التقدير، فقد أعلنت هيئة السوق المالية بالتنسيق مع وزارة التجارة والصناعة عن تطبيق النظام الجديد للشركات الذي يقضى بمنح الشركات المساهمة التي بلغت خسائرها نصف رأس المال مهلة سنة لتعديل أوضاعها.
هذه المبادرة الحكومية كانت قبل عام، ولكن ماذا تحقق في أوضاع الشركات؟ لا جديد في الوضع القديم. لماذا الانزعاج!