د. ابراهيم بن عبدالرحمن التركي
(1)
** هل نحتاج إلى أن نتحسس رؤوسنا كي نتيقن من وجودها ووجودنا؟! ربما حين لا نثق بدائريتها القابلة للرؤية في الاتجاهات المتضادة؛ فكما تنظر للأمام تنظر إلى الخلف، ومثلما تبصر اليمين تبصر اليسار، ومساراتها ممتدة بزوايا قائمة ومنفرجة ومستقيمة.
(2)
** حين لا نؤمن بمدارها المرن فإنما نقزّم دورها لتورثنا دوارًا يحجب صفاءَ الحياة وصفو الأحياء، وقد نحتاج إلى تحسس عقولنا ومنتهاها، وجيوبنا ومداها، وقلوبنا المسكونة بالآلام والأحلام، ومن يستطيع منّا تفقدَ الشمس في الظل والإبحارَ في اليبَس والسُّرى دون كلٍّ ولا ملل؟!
(3)
** لأشكال الرؤوس إشارة الشمولية كما لوظائفها دلالةُ التفكير، وحين لا نعبأُ بمعناها ومبناها فإننا نُسْلمُها لمن شاء كي يملأها بما يشاء ويمليَ عليها ما يُحيل مهامها من القيادة إلى الانقياد ومن الاختيار إلى الإجبار، وهنا لا فرق بين أن تكون دائريةً أو مربعة أو مستطيلة؛ فلا حياة لها أو بها، واحتراقُها يوقظُه اختراقُها.
(4)
** الرأس المستلبُ لا قيمة له في دنيا الناس، والبحث في عوامل استلابه لا تتأتى من عاملٍ أوحدَ متصلٍ بالبيت أو الشارع أو المدرسة أو الجمعية أو الجامعة بل من الحفر في مجاهل «التربة والتربية»؛ ففيهما مفاتحُ الحكاية ونهاية الحكّائين.
(5)
** تجيءُ أحادية العوامل قاسمًا مشتركًا بين متضادي التوجهات والاتجاهات، وربما وقف اليمينيون واليساريون في ضفة واحدةٍ ليتبادلوا الاتهامات باندفاعاتها والأدلة لدفاعاتها؛ فأولاء يبرِّئون وأولئك ينقُضون، والمحورُ الأقربُ ما يسمونه: المناهج، ويعنون بها المقررات، وهذا مجرد مثال على تربيع الرؤوس واستطالتها، ومثلُهم من يظن الخلل في الطائفة أو المذهب أو المنطقة أو الجماعات والجمعيات؛ فالرؤوس الدائريةُ تدور ولا تُدار بقرارٍ أو مزار، والتفتيش في الجذور والبذور: «التربة والتربية» كفيلٌ ببدء الخطوة الأولى في رحلةٍ مضنيةٍ لقراءة التغيير والتأثير.
(6)
** هل يمكن التحكم في الرؤوس عبر عاملٍ بعينه أم عبر التفافاتٍ بانوراميةٍ لا تكتفي بالواقع ولا تجتزئُ الوقائع؛ فتقارنُ الأجيالَ بمن سبق ومن لحق، والبيئات كما كانت وكيف صارت، والأوضاع العامة لدينا كما حولنا، والوسائط المحدودة كما الممدودة، والأجواء المغلقة والمفتوحة، والأُسْرة المتصلة والمنفصلة، والأحاسيس الوطنية والإقليمية، والعولمة والعوربة، وما في أفلاكها، وحينها قد نعثر على مسببات التحول ومعادلات التوازن.
(7)
** شموخ الرأس في استدارته كما اتضاعه فيها؛ يعلو فوق الجهات والجبهات وقد يخلط بينها أو ينزل عنها، وربما امتدَّ بصره وبصيرته نحو الآفاق وربما انحسرا داخل الأنفاق، وفيه علاماتٌ تحدد الجهات الثمانيَ كما فيه ما يعد الشرق غربًا والشمال جنوبًا، وقد تعتم في خبايا بعض الرؤوس الدائرية -دعوا المربعة والمستطيلة- الأحاسيسُ اللونيّة فتفقد قدرتها على القياس ويظهر في أحكامها الالتباس.
(8)
** الرؤوس إحساسٌ لا مقاس.