علي الخزيم
سرني كمواطن فخور بوطني ان أقرأ على (الجزيرة) أن أعضاء السلك الدبلوماسي المعتمدين لدى المملكة قد زاروا المواقع الأثرية والتراثية بمحافظة العلا شمال غرب المملكة وضمنها مدائن النبي صالح بما فيها من العبر التاريخية، ولفت الانتباه بالخبر أن الزوار أبدوا إعجابهم بالآثار، ومن لا يعجب بهذه المواقع المذهلة التي تستدعي العقل والقلب للتفكر بمآلات أقوام تلك الحقبة الزمنية بعد هذه الروائع المعمارية التي أنتجتها مهاراتهم الهندسية، وإن كانت بعض هذه العقول مع إبداعها لم تصل للإيمان وتَتْبَع الرسل.
وتزخر مملكتنا الحبيبة بكثير من المواقع الأثرية التاريخية التي تَرْوِي وتؤكد مدى أصالة وعمق المنطقة بالحقب التاريخية، وأثبتت النقوش والمقتنيات الأثرية والحصون والقلاع بأنحاء المملكة أنها تملك ميراثاً تاريخياً وحضارياً ثميناً يمتد من بدايات النشأة والتجمعات البشرية مروراً بالعصور الإسلامية وما قبل الإسلام، فميراث العرب من الحضارة قديمها والحديث بما فيها ثقافاتهم وفروسيتهم وكرمهم وآدابهم ولغتهم العظيمة مصدر الهام وإبداع لشعوب وحضارات كثيرة على مدى التاريخ، فلا غرو أن يُعجب الآخرون بتاريخنا وحضارتنا، وعلى امتداد مساحات المملكة ـ العامرة بعون الله ـ تجد التنوع التراثي الحضاري يُحَدِّثك عن أولئك الأماجد ممن سكن ديارها، وهنا لا تلتفت لتوجهاتهم العقائدية فمرجعها الى الله سبحانه؛ فالتَّغنِّي بآثارهم وموروثهم الثقافي والحضاري يشهد لهم بانهم قدموا عصارة فكرهم ليرسموا لنا خطوات الطريق نحو حضارة وتقدماً أفضل وأشمل، ولا يجب هنا الانتقاء بالقدح والمدح، كمن يطالب بنزع لوحة مدرسة تحمل اسم فذّ من افذاذ العرب شهد له رسول الهدى بمكارم الاخلاق ومن سلالته من خدموا الإسلام خير خدمة، وحجته انه لم يدرك الإسلام! فحين نتحدث عن الأوائل بهذه الديار فإنما نتحدث عن الأجداد وما تركوه لنا من معالم حضارية، ولسنا بصدد تقييم البَرّ والفاجر، ولو كانت الأمور تقاس بهذه المعايير اذن لنال كل منا التقييم ذاته وحينها تُظهر نفوسنا المَقْت للمُقَيِّم ان لم يرضنا بمعاييره مع انصافه، فليستقر بالأذهان انهم رحلوا ونحن راحلون وان المهم ما سنقدم للأجيال القادمة، اعتبر بما قَدَّم الأوائل وقدم الأفضل لمن سيأتي وكن من الشاكرين.
وهنا أيضاً دعوة للتعاون المثمر مع الهيئة العامة للسياحة والآثار التي تسعى بخطط مدروسة للمحافظة على المكتشفات الاثرية والمضي بجهود الكشف عن كافة الآثار بالمملكة، الى جانب اهتمامها الكبير بالسياحة، وان تتضافر جهود المواطن مع الجهود الرسمية الدؤوبة بهذا الشأن، ولك أن تتعرف على اهداف (ملتقى آثار المملكة العربية السعودية) الذي أقيم برعاية كريمة من أعلى مستوى بالدولة، وهدفه التوثيق والتعريف بالجهود التي بذلت من قيادة البلاد والمؤسسات الحكومية والأفراد للعناية بآثار المملكة عبر التاريخ والتعريف بمكانتها ورفع الوعي وتعزيز الشعور الوطني لدى الجميع وتثقيف النشء بماهية الآثار وما تضمه المملكة من موروث وقيم حضارية.
فلنتفق على أن المحافظة على الآثار والعناية بها تُعَدّ ضرورة إنسانية وطنية، وسلوك حضاري ومصدر فخرنا واعتزازنا وأمانة عندنا نسلمها لجيل قادم سيقدر جهودنا.