د.عبدالله الغذامي
كان ظهور جيمي كارتر في السبعينات رئيسا لأمريكا مصحوبا بوعود أخلاقية لتحسين علاقات المؤسسة مع الناس، وكان كارتر في حملته الانتخابية يعد بأن يجعل الصدق أساسا في عمله وقوله، ومرت الحملة متفادية كل الأسئلة المحرجة عن علاقة السياسة بالصدق، ولكن حين تسلم مقاليد الحكم تحفزت تطلعات الإعلاميين للحصول على المعلومات والتصريحات التي يلهثون وراءها ، ولكن الأمور تتصعب عليهم ويعجزون عن نبش معلومة يمكن وصفها بأنها مختلفة عما كانوا يخبرونه عن كل رئيس مر على البيت الأبيض حين تتغلف الكلمات بالغموض والمراوغة، وهذا ما دفع أحدهم إلى أن يحاصر أندرو يونج، أحد أركان إدارة كارتر، وركز في أسئلته على معنى الصدق عندهم، فقال يونج: في السياسة لست مضطرا أن تقول كل ما تعرف، وهنا لن تضطر للكذب، وهذا هو الصدق السياسي، وهنا اندفع الصحفي منفجرا وقال: هذا أمر نعرفه عن كل من سبقكم ، فما ذا عن صدقكم ...!!! ، فرد يونج ضاحكا وقال : لقد صدقتك في جوابي يا عزيزي.
هي السياسة ومثلها العلاقات البشرية كلها ، ولو صدقنا مع كل شيء وفي كل شيء لما بقي لنا صديق ولا حبيب ولا سارت لنا تجارة ولا تفاوض ، وسنظل ندعي الصدق وننادي به ونزعم أنه المقياس ،ولكن الذكي منا ، هو ذاك الذي يكتشف المنطقة الفارغة بين الصدق والكذب ، فيخفي ما يضر به لو ظهر ، ويعطي وجها آخر تسمح الظروف بكشفه دون مغبات ، وبهذا ربما يحتال لنفسه ليدرك شيئا من الصدق ولو بنصفه أو أكثر قليلا.
أي ليست كذبا ولكنها أخت الكذب.