محمد عبد الرزاق القشعمي
جاء صوت والدتها مفجوعاً بفقدها من ضفاف الأطلسي ليلة الجمعة 5 رجب 1439هـ الموافق 22 مارس 2018م وأنا على السرير الأبيض بالمستشفى فواسيتها بكلمات متقطعة يغلب عليها تأثر الوالد بفقد الولد (أولادنا أكبادنا تمشي على الأرض).
فعاد شريط الذكريات أمامي ليروي ولادتها قبل خمسة عشر ربيعاً وتعرضها منذ صغرها بنقص في كهرباء المخ (صرع) فبدأت العلاج في المغرب ثم في المملكة لبضعة أشهر وبعدة مستشفيات متنقلة بين الملك خالد الجامعي والحرس الوطني وغيرها.. فكانت بدايتها مع المشي بعد بلوغها الثانية من عمرها غير متحكمة بنفسها.. بل تحاول أن تقلد من تراه من أقرانها الصغار فتقفز بينهم أو تصطدم بأحدهم أو بالحائط فكانوا يضحكون عليها معتقدين أنها تمازحهم وما علموا أن هذا هو ما تحسنه.
بدأ العلاج المكثف فكنت أزورها بالمستشفى فتفرح بي وتمسك يدي رغم أن يدها مثبتة بلوح يحمل مداخل المغذيات (السقايات) فكانت تمشي معي في طرقات المستشفى بفرح. وحتى بالقاهرة زرنا عدداً من العيادات المتخصصة، وفي المغرب بقيت حيث طبيبها الاستشاري المتخصص والذي بدأ علاجها منذ ولادتها.
تدهورت صحتها ولم تستطع الوقوف مع بلوغها الخامسة من عمرها وحتى الخامسة عشرة أصبحت طريحة الفراش فلا تأكل إلا السوائل ولا تتحكم بنفسها ولا تتكلم فقط تنظر للآخرين باستغراب، وكأنها تسأل: لماذا أنا هكذا؟ وإذا زرتها بعد غيبة طويلة ركزت نظرها بي وكأنها تلوموني.
أصبحت تحت عناية والدتها وجدتها حتى أن والدتها لا تفارقها ولا تثق بمن يهتم بها لو غابت عنها ولو لساعات. فأصبحت خلال السنتين الأخيرتين لا تعي، حتى أن إحدى يديها قد كسرت ولم يعلموا بها إلا بعد أيام -رحمها الله-.
لقد تكفل أحد الأصدقاء ومحبي الخير للجميع بسفرها إلى فرنسا للبحث عن إمكانية علاجها بشكل أفضل. ولكن طول الإجراءات وتعدد الإجازات والبيروقراطية المعيقة أخرت إكمال متطلبات السفر بين القنصلية والمؤسسات الرسمية. وحتى عند استخراج جواز سفر لها تعرضت والدتها لسطوٍ في الشارع أفقدها حقيبتها بما فيها الجواز.. فعادت لإصدار جواز آخر وقد تطلب مزيداً من الوقت. ولكن أمر الله غالب (وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خيرٌ لكم).
أعزي نفسي ووالدتها وجدتها وأعمامها وأخوالها وإخوانها وجميع الأصدقاء الذين واسونا بها. وأسأل الله أن تكون شفيعة لنا يوم القيامة وأن يجمعنا بها ووالدينا وذرياتنا في جنات النعيم.
- والدك