نادية السالمي
أغرب فقد تشعر به هو المكان الخالي لمثقف كنت تستند على ثقتك به، وتأمل أن ينهض به الوعي، فتبحث عنه ليشغل الفراغ فلا تجده إلا مكبلًا بأهوائه صاغرًا وذليلًا، وكأنه شخص آخر هبطت عليه نعمة الأضواء فافتقر فكريًا وانحدر إنسانيًا، لمثل هذا المثقف قال يوزف غوبلز: كلما سمعت كلمة مثقف تحسست مسدسي».
خوف المثقف وجوعه:
مازلت أشعر - رغم كل ادعاءات المعرفة والحرية- أن المثقف في بلادنا العربية ذاهل أو بالأحرى جاهل عن جوعه للمعرفة الحقيقة متناسيًا أو ناسيًا حاجته الماسة لهذا القوت حتى يتمكن من الاستمرار في الساحة الفكرية كمثقف حقيقي، للأسف هو اكتفى بما حققه في السابق وما تمكن له من ضوء، وكأن الثقافة لا يعتريها الوهن ولا تبلى مع متطلبات الحياة، ووعي الجيل بحقه بمنح الثقة للثقافة والمثقف!، لهذا صراخ المثقف يمشي بمحاذاة صراخ الإنسان الآخر ليُسكت صرخاته أو يعرقل وصولها، وليته كف أذاه وتترس بأذن لا تسمع، خوفًا على نفسه وتماشيًا مع عذر «الصمت أبلغ مقالة»، واكتفى بالحياد، وفي حياده قد تحصل مصلحة لعامة الناس فبه تكشف معادن الثقافة وأصحابها، أما المصلحة التي يطلبها المثقف من الحياد فسيكفيه الأذى لبعض الوقت، وبقية العمر سيدرك أن للحياد نارًا طمست هويته الفكرية، وأحرقت ماضيه ومستقبله.
وظيفة المثقف:
تثبيت دعائم الحرية للعمل بمقتضى شريعتها، ومراقبة نفسه أولًا حتى لا يجرؤ ويتقاعس عن تلك الدعائم لأي سبب كان، فلا لحبس حرية الفرد في إبداء رأيه، واعتقال فكره من منبر كتاب أو صالون أو من حيثما يصدع بالقول، ولا لتضليل في أخذ الحقوق، ورفع شعار المساواة بين كافة أفراد المجتمع ذكورًا وإناثًا على اختلاف أنماط أفكارهم و انتمائتهم المذهبية.
ومن وظائف المثقف أيضا صناعة المثقف الجديد القوي بنفس ومبادئه، والأمين على مدخرات بلاده البشرية والمادية، ومن أدوار المثقف أن يكون واعيًا وأمينًا على المصلحة العامة، ومراقبة تطبيق السلطة للعدالة الاجتماعية، كما ينبغي أن يبتعد عن التزلف ومحاباة المسؤول، أو أن يصنع من نفسه متطرفًا للقيم التي يحملها. وأبشع مايقع فيه المثقف ضياع بوصلته الثقافية وبالتالي تزعزع المبدأ فلا تدري أنت كمراقب للمشهد لماذا يقر بفسح كتاب ويشيد بمنع آخر، دون تبرير يقنع حرية الثقافة وسيّاح العقول؟!. ولا تعرف كيف يرى أن لفئة كامل الحق في إبداء رأيها بينما الفئة الأخرى يجب أن تُسلسل بالصمت وتنزوي عن الضوء؟!. ضعنا في ضباب المراحل، وإذا كانت كل فئة ستخطف من أعمارنا ثلاثون عامًا لتبث أفكارها وتثبتها فمتى نفكر نحن ومتى نختار؟!. صراع التيارات من مبادئ الحياة المقبلة على التغير، بشرط بسط المزيد من الحرية حتى لا نشعر أننا مسيرون رغما عنا لسادة المرحلة. لسنا بحاجة لمعاناة جديدة باسم صحوة جديدة نريد أن نحيا أصحاء فكريًا واجتماعيًا.
صحوة بلا صحوة:
أكان ينبغي أن نمر بهذه التجربة القاسية لنعرف مدى قداسة الرأي والحرية؟!.
ربما كان هذا الأفضل.. أن نعود لأنفسنا ونمحص صدقنا ونخنتبر قناعاتنا، ونرتب للمستقبل ونؤطر له بما يحمينا من مغبّات العنف واستبداد الآخر.