قاسم حول
يعمد عدد من طلبة السينمائية إلى نشر أطروحاتهم لنيل الشهادات الأكاديمية بدرجة دكتوراه أو بدرجة بروفيسور، في مؤلف مطبوع ليكون مرجعاً ودليلاً للسينمائيين الجدد. هذه الأطروحات تؤخذ عادة من مصادر لباحثين في مجال السينما والأدب، كتابة السيناريو، علاقة الرواية بالفيلم السينمائي، مفردات السينما، أشكال العرض السينمائي والبحث في العلاقة بين إبداع المنتج وإبداع التلقي .. إلى آخره.
ويعتمد الطالب الأكاديمي مصادر الكتاب والمؤلفين والمنظرين، فتأتي الأطروحة ما يشبه الفهرست أحياناً والدليل لمصادر البحث السينمائي، ومع أن المكتبة السينمائية العربية ليست بالسعة التي تمكن طالب السينمائي الأكاديمي من استكمال بحثه، لما يثري الأطروحة، فيعمد الطالب إلى المكتبة السينمائية العالمية غير المترجمة إلى العربية، سيما إذا كان الطالب من الذين يتقنون إحدى اللغات الإنكليزية أو الفرنسية أو الألمانية أو الروسية الثرية بالمصادر غير المترجمة إلى لغات ثانية، لكن طريقة التناول ليست حرفية بالمعنى الأكاديمي للكلمة، فعلى سبيل المثال نقرأ في المطبوع آراءً من الصعب نسبها للكاتب المعتمد كمصدر، أو انتسابها لطالب الأطروحة، ومن الصعب التوصل إلى حقيقة الفرز، إذ لم يعمد الطالب إلى وضع النص المنقول بين قوسين مزدوجين، ولكنه في هامش الكتاب أو نهايته يشير إلى المصادر وأسماء المؤلفين في فهرس عام، وهذا يشكل خرقاً لأمانة المهنة، مع أن الأطروحة والكتاب قد يشكلان أهمية مرجعية للأدب والسينما.
بين يدي مؤلف ينطوي على أهمية أدبية سينمائية للدكتورة المغربية جميلة عناب بعنوان «التلقي من الأدب إلى السينما». وقد أنهيت قراءته وتوقفت كثيراً أمام فصوله وعدد وكمية المصادر العربية والعالمية «الفرنسية» التي اعتمدتها الدكتورة الباحثة، وهو جهد غير عادي وممتاز، ويشكل مصدراً يثري المكتبة العربية، لكنها وقعت في ذات الإشكال بحيث أن القارئ لا يمكنه معرفة الرأي المستنتج من رأي كاتب المصدر الأدبي والسينمائي ما يفقد البحث وبالتالي الكتاب المطبوع، شيئاً من الأمانة. لكن ذلك لا يقلل من أهمية الجهد والبحث في عالم السينما المتعدد الأدوات التعبيرية بدءاً من النص الأدبي مروراً بمراحل الإنتاج والعلاقة بين النص المكتب والنص المرئي.
في هذا المجال تشكل هذه المؤلفات الأكاديمية القيمة النظرية والأسس الأكاديمية للعمل السينمائيين ولعشاق السينما والذين يخوضون التجارب السينمائية، لكن السينمائي الذي ينبغي عليه معرفة هذه الأسس، يشبه كثيراً التشكيلي من الرسامين والنحاتين الذين ينبغي عليهم معرفة الأسس العلمية للون والبناء المعماري ومعرفة تشريح الجسد الإنساني والحيواني وشكل الصورة في إطارها وبدون إطارها وفيما إذا كانت نسب الطول والعرض ملائمة لمضمون وشكل اللوحة .. هؤلاء الرسامين والنحاتين يتجاوزون هذه المعرفة الأكاديمية في علميتها ويتعاملون مع اللوحة من منطلق حرية التعبير وتداخل الألوان ويلجأون إلى لوحة التجريد والحداثة التعبيرية وما بعد الحداثة. ولكن من منطلق معرفة الأسس الأكاديمية الكلاسية الكلاسيكية. وهذا يسري على السينمائيين الذين شكل بعضهم نهجاً في الحداثة وحرية التعبير في تجاوز تلك الأسس الكلاسية الكلاسيكية، فجاءت أعمالهم إبداعاً حقيقياً لأن تلك الأعمال السينمائية المهمة تتسم بوعي المعرفة وتخاطب وعي التلقي وتنطلق من حرية التعبير وتؤثر في حرية الاستقبال والمشاهدة.
كتاب الدكتورة المغربية جميلة عناب لا شك يشكل إضافة أدبية لفن الكتابة السينمائية وللقيمة الأدبية لفن السينما من المنطلق العلمي والأكاديمي لعدد غير قليل من الباحثين في الشأن السينمائي، وفي ذات الوقت يشكل دليلاً لطلبة السينما في جمع مصادر البحث ومؤلفي تلك المصادر عبر دراساتهم أو عبر حياتهم العملية.
يعتبر المسرح ودراسة بناء النص المسرحي ودراسة بناء الشخصية أحد المصادر المهمة في البحث السينمائي. هذه الدراسة المسرحية أكاديمياً تعلم طلاب السينما ومخرجي السينما وكتاب السيناريو الأسس المعرفية لفن السينما مع اختلاف طبيعة المشاهد المتنوعة في المشاهد واللقطات السينمائية، عن المشاهد التي تقدم أمام المشاهدين في غرفة بثلاثة جدران يفصلها الجدار الرابع عن المشاهد المتلقي، لكن أسس المسرح تعتبر مصدراً أدبياً وفنياً للسينما. ولعل الروسي «ستانسلافسكي» هو أهم المصادر الفنية للمسرح والتمثيل وأعتبر مصدراً للسينما وللكتابة السينمائية. ومدرسة ستانسلافسكي تدرس اليوم في كل أكاديميات السينما في العالم، وكثير من السينمائيين من المخرجين والممثلين عرفوا أسس ستانسلافسكي في المسرح والسينما وتألقوا في أعمال سينمائية خالدة، منهم أيليا كازان ومارلون براندو وتنسي وليامز وجيمس دين الذين علموا وتعلموا في أكاديمية ستوديو الممثل. ولذا فإن كثيراً من الأطروحات السينمائية لنيل الشهادات العلمية تعتمد المصادر السينمائية دون المصادر المسرحية وذلك ما يشكل نقصاً في البحث الأكاديمي.
المطبوع الأكاديمي الجديد للدكتورة جميلة عناب والذي يحمل عنوان « التلقي من الأدب إلى السينما» يشكل مصدراً مضافاً للمكتبة السينمائية العربية التي ينقصها الكثير من البحوث الأكاديمية.